م. بدر بن ناصر الحمدان
مع حلول الشتاء، وفي مساء ماطر متخم بالجمال، وحكايات الليل التي تلفها رائحة الحطب، وبقايا ضوء من فانوس الشارع على دَرفة نافذة خشبية، وحطام الذكريات المتشبثة بالمكان، اجتمع أشخاص يسكنهم الشغف، لملموا شتاتهم داخل بيت للحرفيين، قابع في أطراف شارع بعبق تاريخ مَن مرّوا به، وسط مدينة عتيقة، تعج بالحياة والناس والقهوة والخبز وأماكن غير مألوفة، كانوا يبحثون عن مكان يليق بما يحملونه بداخلهم من رغبة في أن يكونوا جزءا من صناعة حدث ما ذات يوم، لم يسبقهم إليه أحد، ولم يكن من قبل، وبعد رحلة طويلة من الأمل والطموح والمثابرة، وجدوا أنفسهم هنا، في (بَنَان).
لطالما كنت أبحث عن شيء ما يستحق الاهتمام، وأشخاص يلفتون نظري، كما يقول صديقي دُوستُويفَسكِي، ما أحدثكم عنه تجربة عشتها على قطعة من الأرض كان عنوانها الفن والحياة، التجوّل في بَنَان يمنحك شعورا بأنك تتواجد في أحد أروقة «الأرميتاج» داخل قصر الشتاء، من الوهلة الأولى ثمة أسئلة لا تتوقف يغرسها مكان بَنَان بداخلك، يدفعك الفضول للبحث عن إجابات حائرة، تُرى لماذا قرّر كل هؤلاء أن يلتقوا هنا؟، ومن كان وراء هذا المكان الباذخ بكل هذا الجمال، وكيف صنعوا هذه «الحِرْفَة» بروحهم قبل أيديهم، خُيِّلَ لي أن (نيرودا) كان يعنيهم حينما قال: «في كل شيء لمسته يدك، جمال لا ينتهي»، واصلوا يا أصدقائي فالأحلام لا تدركها إلا الخطوات التي لا تتوقف.
بَنَان، ليس مجرد حدث ثقافي تحتضنه هيئة التراث، بل رحلة لا تنتهي.