د. محمد عبدالله الخازم
أكرمني مقهى «فنجان وذكرى» بمدينة بلجرشي بدعوة للمشاركة في برنامجه الثقافي ضمن مبادرة الشريك الأدبي، الذي تدعمه وزارة الثقافة. ليس في الأمر غرابة، فصفتي الثقافية والمهنية تتيح لي مثل هذه الدعوات، وأتشرف بذلك دوماً. لكن هذا اللقاء ذو طابع خاص، يمثله المكان، مسقط الرأس/ المنطقة التي غادرتها بعد الثانوية -قبل أربعة عقود تقريباً- فأصبحت زياراتي لها لا تتجاوز زيارات العائلة، أياما معدودة لكل زيارة.
حتما، شعور السعادة لا زمني بالاستضافة والحديث إلى أحبة أحفظ لهم الود، سواء بحكم القرابة أو المعرفة أو الأفضال التي يغمروني بها، في حضوري وفي غيابي. لكن هناك شعوراً أخر، كان يلوح بالخاطر كلما أقترب اللقاء، وربما أرتفع إلى قلق، يعبر عنه هذا المقال وليس الأمسية الثقافية، كونه خارج موضوعها.
اللقاء حول سيرتي الكتابية وبدا لوهلة أن الأمر يتطلب إخبارهم؛ أنا لست ذاك الطفل أو الشاب الذي عرفتموه. هم يعرفونك بكل ميزاتك ومثالبك في الصغر، فهل من يعرفك صغيراً يستوعب ما وصلت إليه من عمر ومكتسبات أو تغيرات أم يحتفظ بصورتك القديمة.
عن أية سيرة أحدثهم، ذك الفتى الذي غادرهم وربما يتذكرونه أم من عبر السنين الطوال دون إدراكهم؟ هل تورطت في عنوان الأمسية؟!
قد لا يخلو حديث السيرة من بعض التباهي و»النرجسية»، إن صح التعبير؟ هل أنصف ذاتي في الحديث عن سيرتي وفلسفتي في الكتابة ورؤية العالم؟ أم يعود لي خجل أخفيته عقودا، فأعود طفلاً كان يتلعثم أمام كبار القبيلة والجماعة؟ هل يساعدني وجود إخوتي واساتذتي وقدواتي لأن أسرد ما أريد بأريحية، أم يكون مصدر ضغط، احترامي الشديد وتقديري لهم؟
زاد الأمر تعقيداً، تصوري بأن كثيراً منهم لا يقرأ لي، إما بحكم عدم الاختصاص أو لكوني أكتب في وسائل ليست ذات انتشار لديهم أو لكوني لست أعتني بقضاياهم المحلية.
ربما المسألة هنا «انطباعية» لكن ما أريد قوله، أن أهلنا بالباحة يعرفون أنني كاتب – ربما- لكنهم لا يقرأون لي كثيراً، كوني أكتب في وسائل ومواضيع ليست منتشرة أو مهمة لديهم. فهل أنا ذاهب إليهم لأقنعهم أنني كاتب – ربما كاتب جيد - أم يكون اللقاء تحدياً أمام من يعرفون تفاصيل تتجاوز الوجه الثقافي؟
نعيش جزءا من أعمارنا/ بداية التكوين في القرية، لكن بمغادرتها ومع مرور السنين خارجها، نعود إليها غرباء. لم تعد تحتضنك تلك الجبال والأودية والمساريب والوجوه، كما كانت لك دروباً وحياة ورفقة في الصغر. إنها لمعادلة يصعب الاعتراف بها؛ أن تكون غريباً في ديرتك!
تلك مشاعر/ تساؤلات سبقت اللقاء. في البدء، تصورته لقاءً سهلاً مثل غيره من اللقاءات التي تشرفت بها سابقاً، لكنه بدا قلقاً -داخلي- بعض الشيء ليس بمحتواه الذي أجيده وأتميز فيه، وإنما بما تلح عليه هذه التأملات الوجودية وما يطغى من مشاعر تراوح بين الفرح/ الحنين والتوتر..
في النهاية كان اللقاء تفاعلياً جميلاً، أزال جل مصادر القلق أعلاه. لم يكن مجرد لقاء ثقافي، بل تكريم وتشريف لا أنساه. شكراً ومحبة لكم أهلي، أهل الباحة الكرام.