عايض بن خالد المطيري
في قلب صحراء المنطقة الوسطى، حيث تمتد الرمال كبحرٍ ذهبي يلامس الأفق، يبرز نفود السِّر وصحراء المستوي الواقعتان بين منطقتي الرياض والقصيم كأحد أهم النظم البيئية في السعودية، بما تحتويانه من تنوعٍ نباتي وحيواني فطري يعكس ثراء البيئة الصحراوية السعودية.
لقد أصبح الحفاظ على هذه البيئات واجبًا وطنيًا يتماشى مع التزامات حماية الموارد الطبيعية، ويعزز مستهدفات رؤية السعودية 2030 نحو غدٍ أكثر اخضرارًا واستدامة.
يمتد نفود السِّر وصحراء المستوي على مساحة تقارب 4,000 كم مربع بين منطقتي الرياض والقصيم، ويشكّلان ما يقارب 0.6 % من التجمعات الرملية في السعودية. وهما أكثر من مجرد كثبانٍ رملية؛ فهما نظامٌ بيئيٌّ حساس بتشكيلاته الطولية والمتوازية، وقممه الحادة، وأوديته الواسعة، تتخلله نباتاتٌ صحراوية صمدت أمام حرارة الشمس وقسوة الرمال لآلاف السنين.
ومن أبرز هذه النباتات: الأرطى، الغضا، العلندا، الرمث، العلّقا، والثمام، وهي نباتات تمنح النفود قيمته البيئية الفريدة، وتُسهم في تثبيت التربة والحدّ من زحف الرمال.
غير أن هذا الجمال يتعرض اليوم لعبثٍ بشريٍّ مؤذٍ؛ فهناك من يقتلع شجيرات الأرطى والغضا، وآخرون يتخذون كثبانه أماكن للتطعيس، مما يقضي على الأعشاب والأشجار البرية التي تربط الكثبان ببعضها، وكأن الطبيعة بلا قيمة.
كما لوّث البعض النفود بالمخلفات البلاستيكية وبقايا النفايات والأكياس التي تخنق الأرض وتزيد هشاشة التربة. وحين تكشف الرياح الرمال العارية، تنطلق العواصف الترابية لتغطي المناطق المجاورة، بينما تذوي النباتات في صمتٍ، كأنها تصرخ محذّرةً من خسارة حياتها وموطنها.
إن هذا العبث لا يدمّر مجرد نباتاتٍ متناثرة، بل يقوّض النظام البيئي بأكمله؛ فكل شجرة تُقتلع، وكل نبتةٍ تُداس، تترك أثرًا عميقًا في التوازن البيئي، وتعيدنا خطواتٍ إلى الوراء في جهود الدولة لحماية البيئة.
ومن هنا، تبرز الحاجة الملحّة إلى تدخّل الجهات البيئية، وفي مقدمتها القوات الخاصة للأمن البيئي، لحماية نفود السِّر وصحراء المستوي، عبر فرض حمايةٍ بيئية صارمة، ومراقبةٍ ميدانيةٍ منتظمة، وإعادة تأهيل الغطاء النباتي المتضرر، وطرح مبادراتٍ للتشجير والحفاظ على المواطن الطبيعية.
فإذا حُميت نفود السِّر بعناية، ستكون نموذجًا حيًّا لرؤية السعودية في سبيل غدٍ أخضر ومستدام.