د. ناهد باشطح
فاصلة:
«التضليل يزدهر عندما يثق الناس بمشاعرهم أكثر من عقولهم»
-كاثلين جيمسون، باحثة في المعلومات المضللة-
* * * * *
لدينا مثل شعبي يقول: «قال: كيف عرفت أنها كذبة؟ قال: من كبرها».
وهذا ما يحدث في مواقع التواصل الاجتماعي حين تنشر أخبار مثيرة لا يمكن تصديقها لأنها كبيرة فهي خاصة بالإثارة وتنشر بدون أي مصادر موثوقة.
هناك حسابات إخبارية في مواقع التواصل الاجتماعي لا يوجد لها هوية تحريرية فالحساب يتخصص في نشر الأخبار المثيرة المضللة.
فإذا قرأت خبراً مثيراً في أي من حسابات التواصل الاجتماعي ولم تجد مصادر أو روابط أو وثائق أو تصريحات رسمية وهناك سرعة تفاعل عالية مقابل عدم وجود أي مصادر فلا بد أن تشك في مصداقية الخبر، فالتفاعل في مواقع التواصل الاجتماعي لا يعني المصداقية عندما يكون الخبر بلا مصادر موثوقة.
هذه الحسابات تعتمد ما يُسمى clickbait أي أن المحتوى على الإنترنت عادة ما يكون عنواناً أو صورة مصغّرة هدفه جذب انتباه المستخدمين لإغرائهم بالنقر على الرابط.
خبرنا اليوم نشره حساب إخباري باللغة الإنجليزية وتداولته الحسابات العربية دون اهتمامها بالمصدر الرئيسي، بضع تغريدات على منصة X تحولت إلى «خبر عالمي» يوحي أن دولاً كبرى حظرت هواتف سامسونج بسبب وجود شريحة تجسس زرعتها إسرائيل
وأن البرازيل أعلنت أنها ستحظر شركة سامسونج وستعلِّق جميع واردات الهواتف وأجهزة الكمبيوتر والإلكترونيات من الشركات المرتبطة في إسرائيل، في حين أكدت الصين قيام إسرائيل بتركيب شرائح تجسس غير قابلة للإزالة في هواتفها وسوف تحظر سامسونج وموترولا وأبل وجوجل بيكسل لمخاوف أمنية.
عند التقصي عن الخبر لم يظهر في أي وكالة أنباء دولية أو بيان حكومي.
وهذا من العلامات التي تكشف الأخبار المضللة إلى جانب عدم وجود مصدر رسمي، استخدام صورة لزعيم سياسي بلا سياق، لغة انفعالية أو تهويل وادّعاء قرار ضخم يشمل دولة كاملة.
ما يحدث هنا هو مثال واضح على «الخبر الجيوسياسي المضلل» بمعنى قصة تُكتب بعناية، تُرفق بصورة لزعيم سياسي، وتستخدم لغة حاسمة، لكنها تنهار لحظة نبحث عن مصدر واحد.
في تحليل للتغريدات المرتبطة بالصين والبرازيل وتجسس إسرائيل عند وضع التغريدات كلها معًا يظهر نمط ثابت:
1) دول تعلن حظر شركات تقنية عالمية (سامسونج - أبل - نوكيا).
2) السبب المزعوم: إسرائيل تزرع شريحة تجسس غير قابلة للإزالة.
3) دول عديدة تتخذ الخطوة نفسها في وقت واحد.
4) إدراج شخصية سياسية في الصورة لإضفاء شرعية (لولا، أردوغان، شي، مادورو).
5) لا يوجد أي مصدر، وثيقة رسمية، أو تصريح حكومي.
إنما ما يبهر الناس التفاعل لذلك فالحكم على موثوقية الحساب لا يتطلب معرفة صاحبه، بل تحليل المنتج الإعلامي نفسه، خبر ضخم بلا وثائق، صياغة مثيرة بلا سياق، وصور صحيحة تُستخدم داخل قصة غير صحيحة.
هذه هي العلامات التي علينا أن ننتبه لها قبل تداول أي خبر قرأناه عبر حسابات مواقع التواصل الاجتماعي.
في زمن الشبكات، أصبحت الشائعة تحتاج لثوان معدودة لتنتشر، بينما يحتاج تكذيبها إلى من ينظر إلى التفاصيل، لا إلى الضجيج.
في هذا الوقت عند قراءتنا لأي خبر قبل تداوله علينا طرح هذه الأسئلة:
من هو المصدر؟
هل يوجد بيان حكومي؟
هل نشرته وكالات عالمية؟
هل اللغة منطقية أم عاطفية؟
هل الدولة لديها مصلحة في فعل هذا؟
(سياسيًا/ اقتصاديًا)
إن وعيُنا في التمهل في تداول الأخبار هو خط الدفاع الأول تجاه انتشار الأخبار الزائفة والإشاعات.