أ.د.صالح معيض الغامدي
(1)
من السير الذاتيةً السعودية التي تظهر تفردا وتميزا في بعض جوانبها السيرة التي كتبها الأستاذ حامد أحمد الشريف بعنوان «مستشار مع وقف التنفيذ»، التي تقع في 460 صفحة. وعلى الرغم أن في السيرة فيها من الثراء ما يحفز على كتابة عدة دراسات مطولة عنها، إلا أنني آثرت أن أقف في هذا المقال أو هذه القراءة على أبرز ما بدا لي لافتا للانتباه فيها من جانبين، الجانب النظري أو النقدي الذي انطلق منه الكاتب لكتابة سيرته، والجانب الإبداعي المتصل بالكيفية التي كتب بها سيرته.
فبالنسبة للجانب النظري، نجد أن الكاتب قد كانت لديه قناعة راسخة في أن من حق أي شخص لديه تجربة حياتية أن يكتب سيرته الذاتية دون تردد أو خجل، وهو أمر قلما نجد من يعترف به من كتاب السيرة الذين كثيرا ما ينشغلون بتبرير كتابة سيرهم الذاتية بتبريرات متنوعة وكأنهم يقومون بعمل غير عادي، أو حتى عمل غير مشروع يحتاج إلى تبرير.
يقول الشريف في مقدمة سيرته: «ألا يستحق كل صاحب تجربة تدوين تجربته -مهما كانت قيمتها- وإن من باب التبصر بالأخطاء التي وقع فيها حتى يمكن لغيره تجنبها... لذا نرى أن من حق أصحاب المعاناة أن يرصدوا معاناتهم ويطلعوا الآخرين على كيفية مواجهتهم لها والتخفيف من أثرها أو تجاوزها»
ومن مظاهر التجديد والاختلاف في هذه السيرة الذاتية المدخل الذي كتبه الشريف تمهيدا لسرد تجاربه الحياتية، وهو مدخل ذو طبيعة نظرية حول أنماط التفكير استنادا إلى «نظرية هرمان في التفكير» وغيرها من النظريات، وذلك لاقتناعه بأنه لا يمكن فهم تجاربه الحياتية والكتابة عنها دون « استيعاب حقيقي لأنماط التفكير، ومعرفة دورها المحوري في إذكاء الصراعات أو وقفها وتحجيمها، وتغلغلها بشكل ظاهر أو خفي داخل الأسرة والمجتمع ومواقع العمل...»
وقد يجد بعض القراء هذا المدخل مقحما على السيرة حقيقةً، وهذا أمر كان الكاتب على وعي به عندما قال «يظن بعض النقاد أن إقحام أنماط التفكير والحديث المفصل عنها يُخِلُّ بقيمة كتاب يتناول السيرة الذاتية لكاتبه «ومع ذلك مضى الكاتب في توظيفه في سيرته، ولو أن حضوره بعد ذلك في ثنايا السيرة لم يكن حضورا قويا، كما قد يوحي بذلك المدخل.
ومن الأبعاد الجديدة في هذه السيرة توظيف الخط المؤكد أو الغامق لإبراز بعض الجمل والفقرات بوصفها حكما أو دروسا مجربة ينبغي للقراء الانتباه إليها. وعلى الرغم من أن كثيرا من هذه العبارات قد يبدو كذلك، إلا أن بعضها قد لا يراها القراء إلا مجرد جمل ومقاطع وصفية لا تعكس إلا آراء الكاتب حول بعض تجاربه الحياتية ولا ترقى إلى أن تكون حكما أو دروسا صالحة للجميع.
ومن الأبعاد اللافتة في هذه السيرة التقسيم أو التبويب الذي وضعه الكاتب لسيرته، فقد انتهج أسلوبا تصنيفيا يجمع بين السرد التاريخي التدرجي لحياته ممزوجا بسرد مراحل تعليمه وعمله معلما ثم إداريا في إدارة التعليم.
أما التحديد على المستوى البنيوي للسيرة، فالسيرة قد قسمت إلى 30 فصلا، كل فصل يحمل عنوانا رئيسا، متبوعا بعبارة شارحة تلخص في كثير من الأحيان الفكرة الرئيسة التي تقع وراء أحداث كل فصل، وتكون وظيفتها الرئيسة كما بدت لي هي أنها قادرة على جذب القارىء وإثارة فضوله وتساؤلاته حول ما سيسرد في هذا الفصل من أحداث وتجارب ورؤى. ولعلي أستشهد هنا ببعض هذه العناوين للتوضيح فقط: فالفصل الأول عنوانه الرئيس «نقش البداية...» والعبارة الشارحة التي تليه هي «القيمة الحقيقية للأشياء في صمودها وقدرتها على البقاء طويلا». والفصل الخامس عنوانه الرئيس «جوارجنا أصدق من قلوبنا» والعبارة الشارحة «لا قيمة للمشاعر، إن لم يدركها المعنيُّ بها»، أما الفصل السابع عشر فعنوانه الرئيس هو «قوة القيادة» والعبارة الشارحة «كثيرة هي المصطلحات التي يسيء إليها سوءُ فهمنا لها وسوء تطبيقها». ومعلوم أن القارىء لن يقف على دلالات هذه العبارات الشارحة وعلاقتها بحياة الكاتب إلا بعد أن يقرأ الفصل الذي وردت في عنوانه كاملا.
(للمقال بقية...).