د.زيد محمد الرماني
في مساء يوم أحدٍ هادئ، في الخامس عشر من آب / أغسطس 1971 احتل الرئيس ريتشارد نيكسون موجات الأثير لاغياً واحداً من أكثر البرامج شعبية على التلفزيون ليعلن سياسته الاقتصادية الجديدة، وفيها أن الحكومة تفرض مراقبة وطنية على الأسعار وضريبة إضافية على الواردات الأجنبية وتحظر تحويل الدولار إلى ذهب. وقرر الرئيس أنه من الضروري اتخاذ تدابير صارمة لأن البلاد غارقة في أزمة نتجت عن حرب عملات دائرة أدت إلى ضرب الثقة بالدولار الأمريكي.
يقول جايمس ريكاردز في كتابه ( حروب العملات افتعال الأزمة العالمية الجديدة ) : وها نحن نخوض اليوم حرب عملات جديدة، وأزمة الثقة الجديدة بالدولار باتت على الطريق. إلا أن العواقب ستكون في هذه المرة أسوأ بكثير من تلك التي واجهت نيكسون. فقد استحال احتواء الذعر المالي والعدوى، مع انتشار العولمة والمشتقات المالية والرفع المالي على مدى الخمسين عاماً الماضية.
ثم يقول جايمس : يحاول الاتحاد الفدرالي تضخيم أسعار الأصول والسلع والاستهلاك لتعويض الانكماش الاقتصادي الطبيعي الذي يعقب الانهيار والذعر المالي. وهو ينغمس في الأساس في لعبة شد حبال مع الانكماش الاقتصادي الذي يترافق عادة مع الكساد. ولا يحصل، كما في لعبة شد الحبال النموذجية، الكثير في البداية. فالفريقان متقاربان، وتمر فترة تخلو من الحركة، وتقتصر على شدّ كثير على الحبل. وسينهار واحد من الفريقين في النهاية وسيشدّ الآخر الخاسرين من فوق الخط ويعلن انتصاره. وهذا هو جوهر مقامرة الاتحاد الفدرالي، إذ عليه أن يتسبب بالتضخم قبل أن يتغلّب عليه الانكماش؛ عليه أن يفوز بلعبة شد الحبال.
ومن هنا, يشكّل الحبل في اللعبة القناة التي يتم من خلالها نقل الضغط من جهة إلى أخرى. ويتعلّق هذا الكتاب بذلك الحبل الذي يتمثّل بالدولار في المسابقة بين التضخم والانكماش. فالدولار يتحمّل كل شدّ القوتين المتعارضتين ويرسل ذلك الشدّ إلى أنحاء العالم كافة. وتشكّل قيمة الدولار الوسيلة لإعلان الفائز في لعبة شدّ الحبال. إلا أن لعبة الشدّ هذه هي في الواقع حرب عملات شاملة، وليست في الحقيقة لعبةً بل هجوم على قيمة كل سهم وسند وسلعة في العالم.
لذا يحذر جايمس من أنه يوجد خطر حقيقي جداً في أن تتحوّل فجأة طباعة العملة إلى تضخّم جامح. ويمكن للتضخم، حتى إن لم يؤثّر في أسعار الاستهلاك، أن يظهر في أسعار الأصول، ويؤدي إلى فقاعات في الأسهم والسلع والأراضي وغيرها من الأصول الثابتة - فقاعات تتجه إلى الانفجار مثل أسهم التكنولوجيا في عام 2000 أو المساكن في عام 2007 .
ثم يؤكد جايمس حقيقة أن تأثيرات طباعة الدولارات عالمية؛ والاحتياطي الفدرالي، بانخراطه في التيسير الكمّي، قد أعلن بالفعل حرب عملات على العالم. وأخذ الكثير من تأثيرات سياسة الاحتياطي الفدرالي التي يُخشى منها في الولايات المتحدة بالظهور بالفعل في الخارج. وتعني طباعة الدولارات في الديار تضخّماً أكبر في الصين، وأسعاراً أكثر ارتفاعاً للمواد الغذائية في مصر، وفقاعات في بورصة البرازيل. كما تعني طباعة العملة خفض قيمة الدين الأمريكي بحيث تُعاد المبالغ للمدينين الخارجيين بدولارات أرخص. ويعني خفض قيمة العملة نسبة بطالة أعلى في الاقتصادات النامية إذ تصبح صادراتها أكثر تكلفة على الأمريكيين. كما يعني التضخم الناتج من ذلك ارتفاع أسعار الواردات الضرورية للاقتصادات النامية مثل النحاس والذرة والزيت والقمح. وشرعت البلدان الأجنبية في مقاومة التضخم الذي تسببت به الولايات المتحدة من خلال سياسات الدعم ومراقبة التعريفات الجمركية ورؤوس الأموال؛ وهكذا أخذت حرب العملات في التوسع سريعاً.
أخيرا يقول جايمس : في حين لا تزال نتائج حرب العملات الراهنة غير مؤكدة بعد، فإنه من شبه المحتوم حصول أحد السيناريوهات الأسوأ، إذا ما أخفق قادة الاقتصاد في العالم في التعلم من أخطاء من سبقوهم. ويتفحص هذا الكتاب حرب عملاتنا الراهنة عبر عدسة السياسة الاقتصادية والأمن القومي والسابقة التاريخية. وهو يفكك شبكة النماذج والتمنّي والغطرسة التي تسيّر السياسة العامة الراهنة، ويدلّ إلى الطريق المؤدية إلى سياق عمل أكثر اطلاعاً وفاعلية. وسيفهم القارئ في النهاية السبب الذي يجعل من حرب العملات الراهنة الصراع الأكثر مغزى في عالم اليوم، وهو صراع سيحدد نتائج كل الصراعات الأخرى.