د. محمد بن أحمد غروي
تسلمت الفلبين رسميًا رئاسة رابطة آسيان لتصبح رئيسًا للرابطة الإقليمية خلفًا لقيادة ماليزيا التي نجحت في قيادة التكتل هذا العام، حيث إن رئاسة الرابطة قائمة على التدوير السنوي بين أعضائها. كان من المقرر أن ترأس ميانمار الرابطة عام 2026، غير أن الفلبين أبدت استعدادها لتأخذ على عاتقها هذا الدور باتفاق قادة أعضاء الرابطة على هذه الخطوة حتى لا تؤثر أزمة الانقلاب العسكري على جدول أعمال رابطة دول جنوب شرق آسيا، وبهدف منع الشركاء الخارجيين، الغربيين بشكل خاص، من زيارة ميانمار وحضور اجتماعات الرابطة.
تترقب الرابطة أن تبني مانيلا على نجاحات الرئاسة الماليزية في تحقيق مكاسب عدة لدول آسيان كان على رأسها إرساء قواعد السلام بين أعضاء الرابطة الإقليمية باتفاقية السلام التي رعتها كوالالمبور بين كمبوديا وتايلاند، إلى جانب تقارب العلاقات مع دول الخليج مع إقامة قمة الخليج آسيان الثانية هذا العام، ووضع نقاط توافق اقتصادية عديدة بين دول الرابطة في القمة الأخيرة، منها تشكيل فرقة العمل الجيواقتصادية لرابطة دول جنوب شرق آسيا والاستراتيجية الصناعية لدول الرابطة، علاوة على توسيع الشراكات مع شركاء الحوار، إلى جانب موافقة انخراط آسيان بمواقف أكثر إيجابية في أزمة ميانمار وإجراء محادثات مع الحاكم العسكري في نايبيداو.
على رأس القضايا والتحديات التي ستتصدر رئاسة الفلبين ماهية علاقات آسيان مع الصين وحلحلة النزاع في بحر الصين الجنوبي باعتباره الأهم للرابطة وللفلبين تحديدًا والأكثر ترقبًا، فالتوتر الملحوظ والمتزايد بين بكين ومانيلا خصوصًا مع تولي الرئيس ماركوس الابن سدة الحكم عام 2022، وحدوث مناوشات بين خفر السواحل الصيني والبحرية الفلبينية في عدد من الجزر المتنازع عليها في بحر الصين الجنوبي، أسفرت عن تصعيد دبلوماسي بين البلدين.
ومن المأمول التوصل إلى توافق بشأن مدونة قواعد السلوك في بحر الصين الجنوبي بين دول رابطة آسيان والصين هدفًا رئيسيًا في رئاسة مانيلا للرابطة، وفرصة ذهبية لإظهار نواياها الحسنة في حل النزاع بطرق سلمية بعيدة عن الصراع العسكري الذي يهدد بإشعال المنطقة برمتها.
وبالنظر لحالة العلاقات بين الصين والفلبين فمن غير المرجح أن يزور شي مانيلا في القريب، إذ كانت الزيارة الأخيرة لشي إلى مانيلا عام 2018 إبان حكم دوتيرتي، كما أن زيارات المسؤولين الصينيين والفلبينيين قليلة ومتباعدة منذ عام 2023، فمن غير المؤكد ما إذا كانت العلاقات ستتحسن في المنظور القريب بين الجارتين، على الرغم من زيارة الدولة رفيعة المستوى التي أجراها ماركوس الابن لبكين في يناير 2023. رغم ذلك، هناك تفاؤل فليبيني بأن المفاوضات التي استمرت لعقود حول مدونة قواعد السلوك لبحر الصين الجنوبي ستُختتم أخيرًا بحلول العام، كما أن هناك قراءة مغايرة ترى أنه من المرجح أن تكون قمة رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) التي ستُعقد العام المقبل في مانيلا هي الوقت الأمثل لزيارة شي، للتأكيد على «وحدة ونضج» التكتل، وتشجيع «الاستقرار والتعاون الإقليميين على المدى الطويل». كما لا يزال ملف ميانمار أحد القضايا العالقة في الرابطة، ويتوقع أن تُكمل الفلبين ما قدمته ماليزيا من مناقشات أُجريت مع السلطة العسكرية في ميانمار، ومتابعة الانتخابات المرتقبة نهاية العام الجاري.
«معًا نشق طريقنا نحو مستقبل أفضل» شعار قيادة مانيلا للرابطة والسعي نحو السلام والأمن، وممرات الرخاء وتمكين الشعوب، والعمل على توسيع الشراكات وتعزيز موقفها بشأن العديد من القضايا داخل المنطقة مع أربع ركائز أساسية، وهي: الاستقرار البحري وسيادة القانون، واعتزام الفلبين الدفع نحو تحقيق تقدم في قضية بحر الصين، إلى جانب التكامل الاقتصادي والتحول الرقمي، والاستدامة والقدرة على التكيف مع المناخ، كما يشكل الأمن الغذائي والطاقة الخضراء والاستعداد للكوارث حجر الزاوية في رئاسة الفلبين للمجموعة. من المرتقب أن هناك ملفات أخرى تقنية واقتصادية سيتم العمل عليها، كالاستخدام المسؤول والأخلاقي للذكاء الاصطناعي لمواجهة التحديات الأمنية، وأنظمة الإنذار المبكر، والتوعية بالمجال البحري، والمساعدة الإنسانية والاستجابة للكوارث، وتوجيه جهود رابطة دول جنوب شرق آسيا نحو تعزيز الحوار والتعاون في مجال الأمن الإقليمي، وتعميق التكامل الاقتصادي من خلال الابتكار والاستدامة، وتحسين حياة شعوب الرابطة وقدرتها على الصمود.
حقيقة القول إن رئاسة الفلبين لآسيان هي اختبار صعب للرؤية والقدرة، لكنها تعد فرصة لها في تشكيل كيفية تعريف جنوب شرق آسيا للوحدة والنمو والغرض في عالم منقسم بشكل متزايد بسبب تحولات القوة والمصالح المتنافسة.