د.نايف الحمد
شهران ويومان مضت على رحيل رجل الإعلام النبيل، والعلامة الفارقة في تاريخ الصحافة السعودية، الصديق الغالي سعود العتيبي «أبو طلال» رحمه الله.
كم كان هذا الفقد موجعًا على أحبة هذا الرجل، وأنا أحدهم.. فبعض الأشخاص حين تفتقدهم، كأنما فقدت جزءًا منك! وقد أسرني هذا الكبير بما حباه الله من صفات قلّما تجدها في رجل واحد؛ فالتواضع واللطف والرحمة ترافقه في كل خطوة يخطوها، وكل كلمة ينطق بها، أما النبل والمروءة فتكاد تكون من بديهيات شخصيته، فضلاً عما تحلّى به من كرم وشهامة لا ينازعه أو يجاريه فيها أحد.
عندما تقرأ لسعود فستبهرك عقليته الفذّة، أما حديثه فكان فاخراً مليئًا بالآداب والأخلاق.. كانت كلماته تخرج من القلب لتستقر في قلوب المستمعين، حتى بات ظهوره في «مساحة هلالية» أشبه بالصالون الأدبي الرياضي، يجتمع فيه الأحبة من الكتّاب والعشاق ويتحلّقون حول هذا الفيلسوف الذي جعل من الفكر متعة، ومن الفلسفة لغة يطرب لها الجميع وينتظرونها بشغف.
سعود العتيبي الذي رفض كل الدعوات للظهور الفضائي، اختار مشاركة عشّاق الهلال الحوار، وتجاذب معهم أطراف الحديث، وتعامل مع أصغر مشجع نِدًّا لندّ، ولم يميّز نفسه عنهم أبدًا. ولم أسمع منه قط كلمة واحدة تُذكِّر مستمعيه بتاريخه الزاخر ومكانته الصحفية الشامخة؛ بل كان يرفع من شأن المتحدثين ويُثني عليهم، وكأنهم هم الأساتذة وهو المشجع البسيط! كم كان آسرًا في تواضعه.. لم ترافقه لغة الأنا، وليست في قواميسه التي امتلأت بكل معاني الجمال والآداب والأخلاق.
قبل رحيل رجل الصحافة الأنيق سعود، كتب الأديب والصديق الغالي الأستاذ فارس الروضان مقطوعة في الراحل الكبير تنبض بالجمال، وتعبّر بصدق عن بعض ما تحلّى به من صفات، جاء فيها:
«إنما للفخر سعود
سعود العتيبي..
اسم عصيّ على النسيان
بدوي متمرّد على الفكرة والمعنى
يتعامل مع الحرف بفطنة ابن الصحراء
اقتحم بلاط صاحبة الجلالة
وهو يلف أطراف غترته على وجهه
مقبلًا بجسارة المحاربين
وفي يده قلمٌ ..
أصبح عصاه التي يعسف بها الطروق
وفي زمن أقصر من الخيال
طبّق قول البدر .. فقال بزهو:
«ملكت الأرض وراس مالي عصاتي»
أبو طلال ..
سِنام الحرف الذي بلغ المجد
من أوسع أبوابه ..
سما كما يسمو الهلال
فتربّع فوق هامة الكلمات
وتربّع في قلوب الزعماء
نعم..
إنما للفخر سعود
إنما للحب سعود»
نقطة آخر السطر
في حياتنا أشخاص لا يمكن تعويضهم، وأجزم أن أمثال الأستاذ سعود نادرون في بلاط صاحبة الجلالة، كما هم نادرون في حياتنا العامة.. لكن عزاءنا أنه ترك لنا إرثًا كبيرًا وذكرى جميلة لن تمحوها الأيام، وسنبقى على العهد يا أبا طلال ما بقي الزمان.