د.عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
افتتحت قمة المناخ كوب 30 في 10 نوفمبر 2025 في مدينة بيليم الواقعة عند مصب نهر الأمازون في البرازيل، وهي من قمم المناخ المتعاقبة منذ قمة برلين 1995، أصاب هذه القمم ما أصاب العمل الدولي المتعدد الأطراف من وهن لم تسفر عن إنجازات واضحة وملموسة وبعيدة عن أهدافها بسبب ارتفاع مديونات الدول المتقدمة وارتفاع تكاليف خدمة الديون، وتأجيج الحروب الاقتصادية، واحتدام الصراعات الجيوسياسية.
الدول المتقدمة المسؤولة عن ثلثي الانبعاثات لم تقدم تقاريرها من المستهدف عام 2035 تشير تلك التقارير إلى تراجع فقط بـ6 في المائة بدلا من تراجع بنسبة 17 في المائة في عام 2019 لمنع احترار الأرض بأعلى من 1.5 درجة وفقا لاتفاق باريس الـ21 في 2015.
دعت البرازيل إلى التعاون بدلا من الصراع على الأولويات، في وقت يهدد فيه تفتيت التوافق الدولي الجهود الرامية للحد من ظاهرة الاحترار العالمي، تجنبت البرازيل محاولات كتل الدول النامية لإدراج قضايا خلافية في جدول أعمال القمة مثل التمويل المناخي كان من أهم قضايا قمم المناخ خلال السنوات الأخيرة، خصوصا وأن قمة كوب 29 التي عقدت في عاصمة أذربيجان باكو نجحت في الحصول على التزام من الدول الغنية بتوفير 300 مليار دولار سنويا لمساعدة دول الجنوب على مواجهة التغير المناخي.
تبدو البرازيل المستضيفة لقمة كوب 30 في حالة من الوعي الكبير بأن هذه التعهدات لا تعني أي التزام لاحق بالدفع، والدول التي التزمت في قمة باريس للمناخ 2015 لم يزد الالتزام على 10 في المائة من المبالغ المقررة سنويا وهي 100 مليار دولار، كما لم يجمع صندوق الخسائر والأضرار الذي أنشئ في قمة المناخ 27 الذي عقد في شرم الشيخ سوى حفنة ملايين من الدولارات، وضرائب الكربون في صلب المحادثات، وحث ستيل المندوبين على تحويل الطموح إلى عمل، اعتبرها قصة النمو للقرن الحادي والعشرين التحول الاقتصادي لعصرنا.
رغم ذلك لم يتضح التوصل إلى اتفاق نهائي في عام يشهد سياسات عالمية متصدعة، وجهود من الولايات المتحدة لعرقلة التحول بعيدا عن الوقود الأحفوري، وهو ما يشير إلى أن كوب 30 قد تكون الأقل حضورا على مستوى القادة في تاريخ مؤتمرات الأطراف، وتحدث الرئيس البرازيلي عن الثقة التي أوشكت على الضياع، إذ طالب قادة العالم بالتحرك لتنفيذ ما اتفق عليه سابقا قبل فقد الثقة، فيما السعودية صاحبة أكبر منتج للبترول خارج الولايات المتحدة، تبنت إقامة شركة سوق الكربون الطوعي استطاعت من خلاله جمع أكثر من 10 ملايين رصد كربوني، ضمت الشركة 40 جهة في السعودية مسؤولة عن انبعاثات اكثر من 70 في المائة والسعودية ملتزمة بصفر كربون في 2060.
قدر تحليل جديد للأمم المتحدة لخطط خفض الانبعاثات للدول، أن الغازات الدفيئة العالمية ستنخفض بنسبة 12 في المائة بحلول عام 2035، مقارنة بمستويات 2019، ولكن لا يزال الرقم بعيدا عن الانخفاض المطلوب بنسبة 60 في المائة بحلول 2035، للحد من الاحترار العالمي عند 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية، ووفقا للأمم المتحدة لا تزال التعهدات الوطنية الحالية بشان المناخ تشير إلى ارتفاع في درجة الحرارة العالمية يصل 3.1 درجات مئوية هذا القرن، ولتحقيق حد 1.5 درجة مئوية، يتعين على الدول تنفيذ تعهداتها بالكامل وتعزيزها، وهو ما يتطلب خفض الانبعاثات بنحو 43 في المائة بحلول عام 2030 مقارنة بمستويات 2019، بل أكثر من ذلك بحلول عام 2035، مما قد يحول دون انهيار واسع النطاق للأنظمة البيئية ويتيح فرصة واعدة لاستقرار المناخ.
تغيبت الولايات المتحدة عن القمة، حيث يصر الرئيس الأمريكي دونالد ترمب على ان تغير المناخ مجرد خدعة، لكن رئيس قمة كوب 30 أندريه كوريا دو لاغو اعتبر غياب الولايات المتحدة يعطي الفرصة للدول النامية مساحة لما تفعله، لكن الدول الأوروبية بقيادة ألمانيا أكدت أنها ستدفع باتجاه التزامات للحد من استخدام الوقود الأحفوري، وأكدت ألمانيا ان أوروبا لا تريد ان تسلك نفس طريق الرئيس ترمب.
في رسالة نشرت في القمة من علماء من عشرات الجامعات والمؤسسات العلمية الدولية بشأن ذوبان الأنهار الجليدية والصفائح الجليدية في العالم، محذرين من التوترات الجيوسياسية أو المصالح الوطنية قصيرة الأجل، وأنها يجب ألا تطغى على كوب 30، فتغير المناخ هو التحدي الأمني والاستقرار الذي يحدد عصرنا.
تحتضن البرازيل مساحات شاسعة من الغابات إذ إن 40 في المائة من مساحتها غابات مطيرة، فهي تهتم بمكافحة إزالة الغابات، فقد أعلن الرئيس البرازيلي لولا خلال أسبوع المناخ في نيويورك في سبتمبر 2025 استثمار أول مليار دولار في صندوق تروبيكال فورست فور إيفر الذي انطلقت فكرته عام 2023 بهدف الحفاظ على الغابات الاستوائية في أنحاء العالم بقيمة 125 مليار دولار، مع وصفه إياه بآلية تمويل مبتكرة، حيث تتراجع عمليات الإزالة بصورة ملحوظة في غابات البرازيل وبلغت 50 في المائة في 2023 مقارنة بالعام السابق له، و30 في المائة في 2024.
سيشارك المشاركون في حوارات رفيعة المستوى مع ممثلي الدول وكبار العلماء وقادة المجتمع المدني لتشكيل مستقبل سياسة المناخ والهواء النظيف، مع التركيز القوي على الانتقال العادل.
كما أطلقت سلسلة من المبادرات الجديدة والتقارير الداعمة للإجراءات وراء التخفيف من الملوثات الخطيرة، ويشمل إطلاق الإستراتيجية العالمية لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة لتقديم الوقود منخفض الكبريت وهي مبادرة سبق أن تبنتها السعودية، والمركبات التي تعمل بالديزل النظيف، بهدف تسريع الانتقال إلى أساطيل ديزل أكثر نظافة وإطلاق CCAC تقرير فريق التكنولوجيا والتقييم تقييم إمكانات تكنولوجيا ذبابة الجندي الأسود في خفض انبعاثات الميثان من النفايات العضوية.
** **
- أستاذ الجغرافيا الاقتصادية والسياسية بجامعة أم القرى سابقا