د.إبراهيم بن عبدالله المطرف
تعود بداية العلاقات بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية لعام 1931، العام الذي منح فيه المؤسس الملك عبدالعزيز ابن عبدالرحمن -يرحمه الله- شركة «ستاندرد أويل Standard Oil» حق التنقيب عن النفط، والذي شكل مدخلاً قوياً لتأسيس العلاقة الثنائية بين البلدين، وانطلاقة حقيقية لعلاقة تاريخية ربطت البلدين لأكثر من ثمانين عاماً. وأعقب الاتفاقية النفطية في 1933، توقيع اتفاقية تعاون بين البلدين.
وكان المؤسس قد عزز العلاقات الثنائية في وقت لاحق بلقاء تاريخي جمعه، -يرحمه الله- بالرئيس فرانكلين روزفلت، على متن «يو إس إي كوينسي» عام 1945، وهو اللقاء التاريخي الذي وصف بنقطة تحول في انتقال العلاقات من مرحلة تعاون، إلى مرحلة علاقات إستراتيجية.
ولقد جاءت زيارة الملك سلمان إلى الولايات المتحدة بعد أن أصبح على رأس هرم القيادة السياسية السعودية، لتتوّج زيارته التي سبقتها، ورغم مجيء تلك الزيارة في ظل ظروف سياسية واقتصادية وجيوسياسية إقليمية وعالمية بالغة الأهمية، إلا أنه نتيجة لما يوليه الملك سلمان من حرص، فقد عزّزت الزيارة العلاقات التاريخية بين البلدين، تلك العلاقة التي يمكن النظر إليها، على أنها من بين أهم علاقات المملكة والولايات المتحدة الخارجية.
وكانت زيارة الأمير محمد بن سلمان للولايات المتحدة عام 2018 بالغة الأهمية أيضاً، فقد أكد محلل أمريكي أن «زيارة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إلى الولايات المتحدة نجحت في تحقيق أهدافها، من حيث التأكيد على العلاقات الإستراتيجية وأهمية تعزيز الشراكات السياسية والاقتصادية بين الرياض وواشنطن». وإلى ذلك أضاف مدير مركز السلام المحلل السياسي جوشوا لانديس أن زيارة الأمير محمد بن سلمان «أثبتت قوة العلاقات السعودية - الأمريكية».
ويتوقع أن يعقد سمو ولي العهد خلال زيارته المرتقبة خلال هذا الشهر للولايات المتحدة اجتماعات مهمة يتابع من خلالها المصالح السياسية والاقتصادية والاستثماريّة مع الولايات المتحدة، وسيكون على رأس تلك الاجتماعات لقاؤه بالرئيس دونالد ترامب وفريقه السياسي والاقتصاديّ والأمني والدفاعي، لمناقشة عدد من المحاور الإستراتيجية التي تهم البلدين.
كما يتوقع أن يجري سموه في إطار الشراكة الإستراتيجية بين البلدين لقاءات استثمارية تنموية تقود تطويرها مظلات سياسية واقتصادية تتبع لأجهزة عامة وخاصة والتي تضطلع بدور رئيس في تعزيزها، في المجالات السياسية والأمنية والعسكرية والنفطية والصناعية والتجارية والاستثماريّة.
وللبعد السياسي في العلاقات بين البلدين دور حيوي في تطويرها، ومن هذا المنطلق، يجد الكاتب من الإنصاف، وصف العلاقات الثنائية بحجر زاوية في سياسة البلدين الخارجية، فالعلاقات والصداقات أصبحتا أكثر قوة ونضجاً عبر السنين، وباتت لهما أهداف متماثلة فيما يتعلق بالكثير من التحديات التي يواجهها المجتمع الدولي، وتحاولان إيجاد حلول للمشاكل وتحقيق الأمن والسلم معتمدتين على قيمهما المشتركة. ولذلك فإن التطورات في المنطقة لم تغير طبيعة العلاقات الأساسية بينهما.
وللبعد الاقتصادي دور مهم في تعزيز العلاقة بين البلدين أيضًا، فقد عززت الولايات المتحدة التوجه الإصلاحي الاقتصادي للمملكة، من خلال التعاون الثنائي بين المؤسسات الرسمية وهيئات ومجالس الأعمال. وقد تمثل برنامج الإصلاح في إستراتيجية ثابتة وضامنة لاستمرار الأداء الاقتصادي، من خلال تعزيز الهيكلة الاقتصادية في مجال المصارف والطاقة، والاتصالات والتعليم والدفاع، والأمن والخدمات الاجتماعية، وإصلاح مناخ الاستثمار وتعزيزه، لجذب المزيد منه. وقد نتج عن ذلك الإصلاح الاقتصادي، تعاون سعودي - أمريكي كبير في المجالات التجارية والصناعية والاستثماريّة على وجه الخصوص؛ أدى لتأسيس العديد من المشاريع المشتركة.
وجاءت رؤية 2030 الطموحة لتضيف بعداً جديداً وعاملاً محفزاً لمزيد من التعاون، في ظل المشاريع العملاقة التي استحدثتها برامج الرؤية. ونؤكد في هذا الإطار، بأن ثقل الاقتصاد السعودي وحجم برامجه ومشاريعه وقنواته، قد لعب بالفعل دوراً حيوياً وشكل ركيزة أساسية بارزة في نمو الجوانب المتعددة للعلاقات السعودية - الأمريكية، الدبلوماسي والإستراتيجي والاقتصادي منها وغيره، تحت مظلة رسمية ممثلة بلجنة الحوار الإستراتيجي، ومجموعات وقطاعات أعمال مدنية.
وفي هذا الصدد، وحيث إن القيادتين تتطلعان إلى لقاء مثمر بين سمو ولي العهد والرئيس الأمريكي، دعماً لتعزيز العلاقات بين بلديهما، فمن المتوقع أن يطرح سمو ولي العهد وبشفافية، شرحاً واضحاً ووافياً للتوجهات الوطنية في العلاقات الثنائية، ومن ذلك الرؤية السعودية المتعلقة بالقضايا والمستجدات الإقليمية والدولية، والرؤية السعودية حول الطريق الأمثل لتعزيز التعاون في إنجاح الجهود المتعلقة بتلك القضايا، والرؤية السعودية حول السبيل الأمثل الذي يمكن البلدين من رسم مستقبل علاقاتهما الدبلوماسية والاقتصادية، والرؤية السعودية حول الأوضاع الراهنة في المنطقة وكيف يمكن التوصل لحلول لها، والرؤية السعودية المتعلقة بالملف النووي الإيراني، الذي «لايزال» يمثل قلقاً عسكرياً وأمنيًا ودبلوماسياً كبيراً، لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية.
وأخيراً وليس آخراً، الرؤية السعودية حول تعزيز العلاقات بين البلدين، وفق الإستراتيجية المستقبلية للعلاقات الثنائية التي سبق أن طرحتها المملكة تحت عنوان «إستراتيجية القرن الواحد والعشرين للعلاقات السعودية - الأمريكية».
ونختم بالقول إننا عندما نتحدث عن العلاقات السعودية - الأمريكية فنحن نتحدث عن «قصة» لبرنامج فاعل من التعاون في المجال البترولي في أواسط الثلاثينيات، إلى برنامج نعاون إستراتيجي بلا حدود، في المجالات السياسية والأمنية والدبلوماسية والعسكرية والاقتصادية والنفطية والثقافية والإعلامية والعلمية والتعليمية والتقنية وغيرها.
وقد كان للجهود الرسمية والأهلية أدوار مشتركة ومتلازمة، أوصلت علاقات الثلاثينيات إلى ما هي عليه اليوم من تطور، ولا بد من أن «نشيد» بالدور الأهلي السعودي، ممثلاً في تحقيق الكثير في طريق بناء العلاقات الثنائية بين البلدين. وقد كان لمشاركته في تعزيز العلاقات السعودية بالولايات المتحدة الأمريكية الكثير من الإيجابيات ويأتي على رأسها:
* خدمة التوجهات الرسمية ذات الصلة بتنمية العلاقات.
* تحقيق التعاون الرسمي الأهلي الذي يعزز العلاقات.
* إيجاد مزيد من قنوات التواصل بين شرائح المجتمعين.
* تغيير الصورة النمطية في الذهنية الأمريكية.
* التعامل مع التوظيف المغرض الذي يسيء للعلاقات.
* تنفيذ برامج تواصلية بمشاركات مجتمعية ثنائية.
* الإفادة من المبتعثين والأصدقاء من أمريكيين.
والأفضل قادم بعون من الله وتوفيقه. والله من وراء القصد.