رمضان جريدي العنزي
المجالس العابقة بالثقافة والأدب لها لذائذ لا تقاس بسائر اللذاذات الأخرى، لأنها تثري العقل، وتحرك أوتار القلب، وتملأ النفس بجمال الحديث، وتثري خزين المعرفة بالنوادر والتجارب والمواعظ والقصص والروايات الممتعة، وهي ليست مجرد مجالس تجمعات للحش واللعب وإضاعة الوقت في القيل والقال وتكرار المقال، والهمز والنم واللمز، وقصائد الاشادة والمدح والإطراء، والضوء والصورة، وتبادل كلام المجاملة الباهتة، والتنظيرات الواهنة، والفلسفة القاصرة، بل هي فسحة للروح تتيح للعقول أن تتلاقى، وللأفكار أن تتزاوج، إنها كالحدائق الغناء التي تتفتح فيها أزهار الحكمة، تخيل مجلساً يجمع بين قصص الأدب، ونوادر التاريخ، ومواعظ الحكماء، مع لمسة من الفكاهة التي تسر الأرواح، وتبهج القلوب، أن مجالس الثقافة والأدب هي تجمعات فكرية واجتماعية تعقد لمناقشة قضايا الأدب والفكر والثقافة، وتعد من أهم مظاهر الحياة الثقافية في المجتمعات الحية، وهي لقاءات منتظمة وغير منتظمة يجتمع فيها المثقفون والأدباء والشعراء والباحثون لتبادل الآراء المفيدة وقراءة النصوص الأدبية، وهذه المجالس موجودة منذ القدم، مثل المجالس الأدبية الكلاسيكية كمجالس الخلفاء والعلماء والشعراء في العصر الأموي والعباسي والأندلسي، وكذلك الصالونات الأدبية مثل صالون مي زيادة في مصر، وصالون العقاد، وغيرهما، وكذلك المنتديات والأندية الأدبية في السعودية، واتحاد الكتاب في العالم العربي، وكذلك الملتقيات الرقمية مثل المنتديات الإلكترونية، والبودكسات الثقافي. إن المجالس الثقافية والأدبية منارات تضيء العقول، وتبني جسور التواصل بين المفكرين والأدباء والمهتمين بالشأن الثقافي، إنها ساحات للفكر والحوار الهادف البناء، ولا تقتصر هذه المجالس على عرض الأدب فحسب، بل تؤدي دوراً اجتماعياً وتربوياً وتوعوياً مهماً، إذ ترتقي بالذائقة، وتغرس قيم الحوار والتسامح، وتسهم في بناء وعي تقافي رصين، وهي عنوان للحضارة، ومرآة للوعي الإنساني، فهي التي تحفظ للغة بريقها، وللفكر عمقه، وللأمة هويتها، فهي ليست مجرد لقاءات عابرة، بل هي مدارس تنبض بالحياة، وتبني الأمة، وتصقل المواهب، إنها في جوهرها رسالة خالدة، تبقي الكلمة حية، والفكر متجدداً، والحوار سبيلاً للنهضة والوعي والارتقاء والتمدن.