د. فهد بن أحمد النغيمش
ظهرت فكرة أزمة منتصف العمر في مقالة للمحلل النفسي إليوت جاكيز عام 1965، قبل أن تترسخ سريعاً في الثقافة الشعبية، وعلى الرغم من أن الباحثين في علم النفس لم يجدوا أبداً ظاهرة كهذه عندما بدأوا في التحقق، إلا إن الفكرة نفسها لم تُمح أبداً من الأذهان.
لذلك، يعتقد بعض الباحثين أن فكرة أزمة منتصف العمر هي بناء اجتماعي، وهذا الاعتقاد بأنك من المفترض أن تكون قد واجهت نوعاً ما من الأزمات في الأربعينيات من العمر، هو ما يدفع بعض الناس إلى القول إنهم يعانون من انهيار لحياتهم وبالرغم من أنه ليس كل شخص يعاني من أزمة منتصف العمر، حيث تُظهر الدراسات أن أزمة منتصف العمر لا تحدث لجميع الناس في مُختلف أنحاء العالم.
مصطلح أزمة منتصف العمر وصف لحالة يمر بها الرجال والنساء على حد سواء، حينما يقتربون من سن الأربعين، حيث يبدؤون بالتدقيق بالإنجازات التي حققوها حتى اليوم، وتأمل مظهرهم الجسدي وحالتهم النفسية وعلاقاتهم بالمحيطين بهم من أبناء وشركاء حياة.
و رغم أن بلوغ الأربعين في حقيقته ليس أزمة، فالقرآن الكريم وصف هذا العمر بـ{حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً} (الأحقاف:15)،أي أنه لا يتفق مع الأزمات واليأس، إلا أن أزمة منتصف العمر قد تصيب بعض من تجاوزت أعمارهم سن الأربعين وشارف بعضهم على الستين، وهي حقيقة تعتبر أشبه بفترة المراهقة المتأخرة والبعض يسميها أزمة منتصف العمر وهي المرحلة التي يحدث فيها معظم حالات الطلاق والتعدد والخيانة الزوجية، وهي فترة التقلبات العاطفية التي تصيب العديد في هذه المرحلة من الرجال والنساء على حد سواء للأسف.
وهي كما يرويها الأديب الفرنسي فيكتور هوغو حين قال: «إن سن الأربعين شيخوخة الشباب والخمسين شباب الشيخوخة لذا فإنه من المنطقي أن تصطبغ المرحلة الانتقالية بين هاتين المرحلتين بشيء من التقلب و»المطبات الهوائية في مزاج من نظر إلى الخلف فلم يجد ما يسره ونظر إلى الأمام فشعر أنه «لم يتبقى في العمر كما مضى». ويُرجع الباحثون والنفسانيون تلكم التغيرات إلى أن الرجل يبدأ في الشعور أنه قد كبُر والعمر جرى وباغته بمروره، ولم يحقق ما كان يحلم به صغيرًا، ويُصدم بحقيقة إنه قد شاب شعره ولم يعد «شابا» كما كان يرى نفسه، ولذا تجده يسعى إلى التعويض عن ما مضى فيتحول تارة إلى مراهق يصاحب ويحب في السر ولذا ظهر لدينا جيل سريع الانقياد يسمى (شقر دادي)! وكذلك بالنسبة للمرأة حين تبدأ في السير بنهج البنوتة الصغيرة واللجوء إلى العمليات التجميلية تصلح أسنانها، تشد وجهها وتتطلع إلى الحياة من جديد، وقد يصل بها الحال إلى خلع زوجها لأنه لم يعد يملأ عينيها وكل ذلك في سبيل المحاولة من كلا الجنسين أن يلحقوا ما فاتهم بسرعة ويسترجعوا شبابهم بكل وسيلة في حالة من الدفاع عن النفس ضد الشيخوخة وتراهم تارة يبدأون في الاهتمام بشكلهم ووزنهم ومظهرهم.
والطامة في ذلك أن هذه الحالة لا تستمر كثيرًا، فجأة يفوق لنفسه كأنه كان يحلم، ويحاول يُرجع كل شيء مثلما كان وعندما يعود لصوابه يفاجأ بحجم الدمار الذي حدث، هَدم بيته، وفقد أسرته وتغيرت مشاعر أولاده تجاهه، فقد وضعه الاجتماعي ومكانته بين الناس. وإصلاح ذلك يحتاج إلى مجهود جبار ومضن، ولن يتم الإصلاح الكامل، وستظل العلاقة بها شروخ في الصورة الذهنية عن هذا المراهق الكهل الذي أضحك الناس عليه وعلى أسرته.
استمتعوا بحياتكم مبكرًا، لا تؤجلوا السعادة لأي سبب لأن اليوم الذي ينتهي لا يعود مرة أخرى، السعادة لا تدخر لكي تعيشوها بعد ما يفوت وقتها، اهتموا بصحتكم وأكلكم وحياتكم الاجتماعية وكونوا ممن يراقب الله عز وجل قبل كل شيء، اهتموا بمظاهركم وأشكالكم والبسوا أحسن الثياب واجملها ولكن دون شعور بالنقص أو فوات قطار العمر والأجمل من ذلك الاهتمام ببواطنكم وسلامة صدوركم وعلاقتكم مع ربكم سبحانه.