ناصر زيدان التميمي
يُعد صراع القيادة داخل النفس البشرية أقدم وأعقد قصة تُروى، بطلاها الأبديان هما العقل والرغبة. قد يتراءى لنا هذا الصراع وكأنه معركة شرسة لا هوادة فيها، حيث يحاول كل منهما سحب الإنسان إلى وجهته الخاصة. فمن منهما يملك حق القيادة المطلقة، وأيّهما يجب أن ينحني للآخر؟
العقل، تلك المنارة الهادئة التي تقف على قمة الجبل، يمثل الجانب التحليلي والمنطقي في كياننا. إنه القوة التي تمنحنا القدرة على رؤية ما وراء اللحظة الراهنة، وحساب العواقب، ووضع الخطط المُحكمة التي تصمد أمام اختبار الزمن. عندما يواجه الإنسان قرارًا مصيريًا، يبدأ العقل في فرز الخيارات ووزنها بميزان دقيق لا يميل، ساعيًا للوصول إلى النتيجة الأكثر حكمة واستدامة، إنه الربان الذي يعرف قواعد الملاحة جيدًا، ويقرأ الخريطة، ويتجنب العواصف المتوقعة. لو أن العقل قاد وحده، لكانت حياتنا منظمة وخالية من الأخطاء الكبرى، ولكنها قد تكون أيضًا حياة باردة، خالية من وهج الشغف ومغامرة الاكتشاف.
على الجانب الآخر، تقف الرغبة – أو العاطفة – كنهر متدفق من الطاقة والحماس، تمثل الشغف الجارف والدافع الذي يحول الأفكار المجردة إلى إنجازات ملموسة. الرغبة هي التي تدفع الفنان للرسم لساعات، والعالم للبحث بلا كلل، والمحب للتضحية. إنها المحرك الناري الذي يمنح الحياة ألوانها ومعناها، وبدونها، تتجمد القرارات العقلانية في مكانها دون أن تجد القوة لتحقيقها، ولكن عندما تنفرد الرغبة بالقيادة، فإنها قد تقودنا إلى طرق متهورة، حيث تهيمن لذة اللحظة على حكمة المستقبل، وحينها تكون الندامة هي الثمن الباهظ.
إن الإجابة الحقيقية لا تكمن في تفضيل قائد على آخر، بل في إدراك أن القيادة الفعالة تتطلب شراكة متوازنة.
الإنسان الناجح والسوي هو من استطاع أن يوحد هاتين القوتين، جاعلاً من العقل مستشارًا حكيمًا، ومن الرغبة وقودًا نظيفًا. فالعقل يحدد الوجهة بناءً على المنطق والواقع، لكن الرغبة هي التي توفر الشجاعة والإصرار للوصول إليها. إنها كاليدين اللتين تعملان معًا؛ إحداهما تمسك بالدفة لتصحيح المسار، والأخرى تلوح بحماس نحو الهدف المنشود. القائد الحقيقي في أعماقنا هو التناغم الفريد بين هذين العنصرين، حيث تستمد الحكمة قوتها من الشغف، ويستمد الشغف اتزانه من الحكمة.