علي حسين (السعلي)
يقول عنترة:
ولقد ذكرتك والرماح نواهِلٌ
مِني وبيض الهند تقطر من دمي
فوددت تقبيل السيوف لأنها
لمعت كبارق ثغرك المتبسم
وتقول أشجان هندي :
ولقد ذكرتُكَ والمنامُ يلفُّني بالضوءِ، والأحلامُ تغزلُ من نجومِ الليلِ بسمتَها، وتقطُرُ من عناقيدِ الظلام؛ فوددتُ تقبيلَ المَنام! ولقد ذكرتُكَ مرةً أخرى، وكنتُ أسيرُ والغيمُ الطريُّ يُبلّلُ الطرقاتِ، والساحاتُ يُضحكها ارتباكُ العابرينَ.
لماذا اخترت نص أشجان هندي؟
لجمال الصورة والخيال وكيف تعامل الشاعران بين زمنين مختلفين، وبين عصرين بينهما بون شاسع من حيث طبيعة المكان واختلاف الأزمنة، وكيف تتم لهذين الشاعرين تناول الأدوات التي بين يدي كل منهما، فحين نريد التقاط الصورة الجمالية بحسب الطبيعة والأرض التي حوت أثناء قول النص، نحن نتحدث عن نص قديم في ظروف حرب ومعارك والميدان إثبات الشجاعة، بينما في النص العصري في زمن مختلف كلياً عن النص القديم أتى في تباين اقتباس وتناص من نص قديم فما الذي يريد النص الجديد إثباته، لماذا اختارت الشاعرة نص عنترة «ولقد ذكرتكِ»، وكررت ولقد ذكرتك وهل هناك حُلْم راود الشاعرة؟ وحين استيقظت كتبته مرتكزة على نص:
ولقد ذكرتك والرماح نواهِلٌ
مِني وبيض الهند تقطر من دمي
الحدود الزمنية والمكانية والشخصيات
عنترة بن شداد: عاش في عصر جاهلي اشتهر بقوته وشجاعته وتغزله في محبوبته.
شخصيات عنترة
عنترة نفسه، الرماح، السيوف، ثغر محبوبته.
أشجان هندي: عاشت في إحدى حارات جدة القديمة، تعشق الشعر وتثبت عبر مشوارها الشعري أنوثة القصيدة متحدية كل الأعراف والتقاليد السائدة في المجتمع الذي تعيش فيه.
شخصيات أشجان
أشجان نفسها، المنام، الضوء، الأحلام، الليل، الظلام، الطرقات، الساحات، العابرين، الغمام، الكلام، الحمام.
حين نقرأ نص «ولقد ذكرتُكَ» للشاعرة أشجان نجد اختلافاً بين بيت عنترة الشهير، ولن أدخل في جدال هل هذا البيت هو لعنترة نفسه أم انتحال, لكنني أستغرب من نسج قصيدة كاملة على تناص بيت عنترة وتكرار كلمة «ولقد ذكرتُكَ» في مواضع مختلفة من نص أشجان! وهذا يدل على أننا أمام نص مختلف في التناول وليس فرد عضلات شعرية بألفاظ ومفردات عصرية.
نقطة وفاصلة
صوت الفرح خارجي بين ما هو واقع اللقاء المفترض القريب البعيد معاً ومتخيل في المنام عبرت عنه القصيدة بذكاء، هناك صراخ داخلي أتى من لغة النص وطريقة الوصف لها, كذلك الرقص الموسيقى بالطريقة بتحرك الشجر سلام الأغصان ضحكت الساحات بارتباك العابرين أيضاً هناك به صوت الكاتب شخّص كل هذا باستنطاق إن جاز لي التعبير بالجوامد في أغلب السرد الشعري من خلال حكاية حلم.
الانتظار، القلق، الشوق، الحنين، الصراخ فما الذي يدل على ذلك؟ إنه الضوء، ومن خلال عبرات الحنين: وكأن الشاعرة أركبتنا معها في حلم في مقعد الجلوس واسترجاعها للذكريات وانتقالها من الأعلى حلماً إلى أرض السلام.. رحلة قبطانها الشاعرة تسير بنا كيفما تشاء ومن الأدنى إلى الأعلى من واقع الصحو إلى بلوغ الحلم رحلة عكسية، وكأن الكاتبة أرادت الهبوط كتابياً إلى الصعود وهكذا دواليك, والسؤال العجيب الافتراضي هنا : هل فعلاً ركبنا معها في طائرة المنام, فهبطت في مطار الاغتراب أم أبقتنا معلقين؟ مجرد ذكريات أو لنقل سيرة غيرية، طلوع شمس الذكريات إلى غروب شمس الاغتراب.