خالد محمد الدوس
ولد عالم الاجتماع أ. د.عبد اللطيف عبدالحميد العاني في محافظة الكرخ التابعة للعاصمة العراقية بغداد عام 1938م، وبعد أن انهى تعليمه العام، كان يرغب الدراسة متخصصا في التاريخ لأنه كان محبا منذ صغره للتاريخ وتراثه الأصيل.! ولكن لوفاة شقيقه يوم امتحان مادة التاريخ (الامتحان الوزاري) ذهب لأداء الامتحان وهو لم يكن جاهزا له وكانت إجاباته على قدر معلوماته الراسخة في ذهنه..!! ولما تقدم لقسم التاريخ رفض طلبه كونه لم يحصل على الدرجة التي تؤهله للقبول في القسم..!
وشاءت قدرة الله تعالى أن يقبل في قسم الاجتماع لكون «الاجتماع والتاريخ».. هما مكملان لبعضهما، فالتاريخ علم اجتماع الماضي، والاجتماع تاريخ الحاضر.. فكسب ميدان علم الاجتماع عالما فذا وفكرا اجتماعيا لامعا.. أثرى المكتبة العربية بمؤلفاته وأبحاثه الغنية، بعد أن كان لرواد علم الاجتماع الأوائل في العراق الفضل بعد الله تعالى في تشجيعه على الاهتمام بهذا العلم الأصيل عندما دلف بوابة دراسة البكالوريوس في «جامعة بغداد» في علم الاجتماع مما ولد عشق وانتماء غير عادي لعلم الاجتماع.
التحق أ. د.عبداللطيف العاني بجامعة بغداد متخصصا في أبو العلوم الاجتماعية وأخطبوطها (علم الاجتماع) ونال شهادة البكالوريوس في ذات التخصص عام 1960م، ثم واصل تعليمه العالي برغبة قوية وطموح كبير ودرس الماجستير في نفس الجامعة نال شهادتها في تخصص دقيق من فروع علم الاجتماع وهو «علم الاجتماع الحضري» العلم الحيوي الذي يدرس الهياكل الاجتماعية في المناطق الحضرية، والتحديات التي تحدث في المدن ويركز على تحليل الحياة في المدن لفهم كيف تؤثر بيئة المدينة على الأفراد والمجموعات وكيف يتفاعل السكان معاً. ثم واصل دراسته في مرحلة الدكتوراه في جامعة بغداد ونال شهادتها بتفوق متخصصا في ميدان «علم الاجتماع الصناعي».. الذي يدرس العلاقات الاجتماعية داخل بيئة العمل الصناعي وتأثيرها على المجتمع كلل..، فكان من أوائل علماء الاجتماع في العراق ممن تخصصوا في هذا الميدان الخصب.
التحق بالعمل الأكاديمي بجامعة بغداد معيدا، ثم أستاذًا مساعدًا وتدرج في الصرح الأكاديمي حتى نال «الاستاذية» وذلك نظرا لكثرة الأبحاث العلمية وإنتاجه التأليفي في ميادين علم الاجتماع.
تأثر البروفيسور (عبداللطيف العاني) بالعلماء الذين كانوا يشكلون الرعيل الأول في علم الاجتماع العراقي أمثال العالم المؤسس الدكتور علي الوردي والعالم الدكتور عبدالجليل الطاهر والعالم الدكتور شاكر مصطفى والعالم الدكتور حاتم الكعبي الذين وضعوا أسس وقيام علم الاجتماع في الجامعات العراقية العريقة، تولى العالم العاني العديد من المناصب الأكاديمية في مشواره العلمي حيث رشح رئيسا لقسم الاجتماع في كلية الآداب بجامعة بغداد العراقية ست سنوات، ثم عميدا لكلية الآداب بالجامعة ذاتها ستة أعوام كما رشح أمينا للجنة تعضيد البحث العلمي والتعريب في كلية الآداب - جامعة بغداد عقدين ونصف من الزمن، وأمين سر الجمعية العراقية للعلوم الاجتماعية ونائب الرئيس، كما اختير الأمين العام المساعد لاتحاد المعلمين العرب، كما اختير عضواً في العديد من المجالات العلمية الاجتماعية والتربوية والنفسية والسلوكية ومنها عضو اتحاد الأدباء والكتاب، وعضو الجمعية العراقية للعلوم التربوية والنفسية، وعضو هيئة تحرير مجلة التدريب والتطوير بوزارة التربية، وعضو الهيئة الاستشارية بجامعة الرشيد الأهلية، وعضو لجنة العلوم الاجتماعية - بيت الحكمة، وعضو مجلس جامعة بغداد- ممثل نقابة المعلمين، وعضو جمعية الباحثين والأكاديميين العرب، وعضو مجلس الخبراء بكلية الآداب بجامعة بغداد، وغيرها من العضوية في مجالات أخرى. أشرف على العديد من الرسائل الأكاديمية (ماجستير ودكتوراه) وناقش أكثر من 185 من الرسائل العلمية في العديد من الجامعات العراقية، كما بلغت بحوثه المنشورة والمقبولة للنشر أكثر من 120 بحثا تناولت العديد من مجالات علم الاجتماع ونشرت في عدة مجلات علمية في الصروح الأكاديمية العراقية، كما قدم العالم الفذ د.عبداللطيف العاني العديد من المؤلفات الرصينة والتي تجاوزت أكثر من (15) كتابا وأبرزها كتاب المدخل إلى علم الاجتماع وكتاب المشكلات الاجتماعية وكتاب مقدمة في علم الاجتماع وكتاب مشكلات التصنيع في العراق، وكتاب دراسة اجتماعية للمناطق المتخلفة، وكتاب قراءات تنموية في موضوعات اجتماعية وكتاب أبحاث في علم الاجتماع وكتاب التربية والشباب والعولمة.. وغيرها من المؤلفات الغنية التي أثرت المكتبة العربية لعلم الاجتماع.
نال رائد علم الاجتماع الحضري د.العاني في مسيرته الأكاديمية الطويلة العديد من الجوائز ومنها جائزة الأستاذ الأول في كلية الآداب لعام 2000 – جامعة بغداد، كما اختير الأول على الملاكات العلمية في مجال علم الاجتماع للأعوام 1998- 1999- 2000م.
ولذلك يعد أ. د.عبداللطيف العاني من العلماء الأفذاذ في الوطن العربي الذين تخصصوا في حقل (علم الاجتماع الصناعي) فكان شاهدا على تحولات المجتمع الصناعي المعاصر، ورائدا في تأصيل هذا الميدان الخصب وتكييفه مع خصوصية البيئة الاجتماعية والصناعية في بلد الرافدين (العراق).