أ.د.صالح معيض الغامدي
لا شك في أن السيرة الذاتية والمذكرات (أو كتابة الحياة عموما) تلقى رواجا هذه الأيام في أوساط الكتاب والقراء على حد سواء، وتمر بمرحلة ازدهار غير مسبوقة، ولذلك نجد أن هذه الحالة الأدبية السيرذاتية توصف أحيانا أو يشار إليها بأنها: «طفرة» أو «حمى» أو «عدوى» أو «موضة» أو «انفجار»… إلى آخره. وعلى الرغم من مجازية هذه الألفاظ في سياقات استعمالها، إلا أنها قد تعكس تصورات نقدية قيمية محددة تبين مواقف نقاد السيرة الذاتية وكتابها وقرائها من هذا الازدهار والذيوع، سلبا وإيجابا وحيادا!!
فكلمات من مثل «ازدهار» و«تطور» و«انتشار» و«ذيوع» تعكس ربما موقفا إيجابيا في الغالب من السيرة الذاتية أو كتابة الذات وانتشارها.
أما وصف ظاهرة انتشار السيرة الذاتية بـ«الانفجار» فدلالاتها تراوح بين الحياد والإيجابية، كونها تستدعي السياق الإنتاجي التجاري أو الصناعي الذي يشير إلى ازدياد الكم ويبشر بسوق رائجة محتملة للسيرة الذاتية. ولذلك فهي أقرب إلى الوصف منها إلى موقف نقدي محدد.
أما كلمات من مثل «موضة» فتعكس في الغالب موقفا سلبيا متعاليا من هذه الظاهرة كون الكلمة مستعارة من عالم الأزياء، ويقلل من قيمتها كونها سطحية وعابرة وغير جادة ولا تمتلك مقومات الثبات والتجذر. وهي تشبه «سحابة صيف عن قليل تقشع»، كما قال الشاعر العربي القديم.
أما كلمتا «حمى» و«عدوى» فإنهما تحملان دلالة شديدة السلبية كونهما مستعارتين من عالم الأمراض. فهذا الموقف يشبه انتشار هذه الظاهرة بانتشار الأمراض المعدية التي عادة لا سبيل إلى النجاة منها، كما تشير إلى أن الكتاب والقراء قد تقبلوا هذا الانفجار السيرذاتي دون تمحيص ولا تدقيق. فهم يفعلون ما يفعله الآخرون حتى وإن جلب ذلك عليهم الضرر؛ الضرر الأدبي وغيره بطبيعة الحال.
وفي الختام نود أن نؤكد على عدم براءة هذه الألفاظ المستعملة في توصيف هذه الظاهرة كما نود التأكيد على أهمية السياق اللغوي والأسلوبي في تحديد الدلالة أو الدلالات الدقيقة لكل كلمة واصفة من هذه الكلمات التي تناولناها في هذا المقال أو في غيره.