م.عبدالمحسن بن عبدالله الماضي
1 - سؤال: هل التنوير هو الذي يؤدي إلى التحول السياسي، أم أن القرار السياسي هو الذي يقود إلى التنوير؟ يؤدي إلى سؤال آخر وهو: هل التنوير يأتي من حاله، ويصدر بذاته، ويحصل هكذا بلا توجيه ولا تنظيم، وينمو دون حماية؟ أليس التنوير هو إضاءة لنواحٍ مظلمة في عادات وتقاليد وأعراف وسلوكيات وأفكار ومعتقدات الناس، وهذه الإضاءة تكون غالباً صادمة، لأنها تقول لهم إنكم وآباءكم من قبلكم على خطأ، وأنكم طوال تاريخكم كنتم في غيكم تعمهون.
2 - الصدام مع ما تعوده الناس ونشأوا عليه يثير الغضب حتماً ويحفز المقاومة، وتصبح النفوس المُسْتَفَزة جاهزة للعنف ضد ذلك الذي يعيب ما تعود عليه الناس ويسفه ما تؤمن به وآمن به آباؤهم الأولون.. إذاً من يحمي هؤلاء التنويريين ومن يرعاهم ويساعدهم في نشر أفكارهم، وينظر في الصالح من آرائهم وأفكارهم ويحولها إلى برامج ومشاريع ومبادرات ويطبّقها حتى تصبح جزءاً من الحراك المجتمعي؟
3 - كل المفكرين التنويريين منذ فجر الخليقة يتعرضون للاضطهاد والعداء والقتل الوحشي، لأن أفكارهم تتعارض مع مصالح المتحكمين بالناس والمستفيدين من انقيادهم واتِّباعهم.. وهذا جعل أثر التنوير يستغرق قروناً حتى يظهر مفعوله على المجتمعات.. فالتنوير استغرق في أوروبا أربعة قرون حتى يصبح حقيقة، ونحن في العالم العربي لا نستطيع الانتظار تلك المدة ولا حتى ربعها.
4 - معظم الأقطار العربية تم اختطاف الحكم فيها بعد الحرب العالمية الثانية، ولم تتقدم مدنياً ولا اقتصادياً، بل تراجعت، وتم سحق مجتمعاتها بشكل سافر حَوَّلهم إلى كائنات سلوكياتها شبيهة بسلوكيات إنسان ما قبل التاريخ.. إذاً ما العمل؟ الجواب في ظني هو تَدَخُّل الدولة، فالله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن، ولعل ما تفعله الدولة السعودية من عهد الملك عبدالعزيز وإلى اليوم وصرنا نرى نتائجه خير مثال على تدخل الدولة الإيجابي لنشر التنوير وحماية التنويريين وإطلاق حرية التفكير والفكر.
5 - منطقتنا التي تعيش على صفيح ساخن منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، بعدما كانت نائمة ألف سنة فاستيقظت على حروب وقلاقل، إلى جانب معاناتها من الحكومات العسكرية التي حكمت الناس بالحديد والنار وأخرست كل عقل ينير وخوفته حتى انطفأ.. الذي حصل في العالم العربي جريمة بكل ما تعنيه كلمة جريمة من معنى، ويحتاج إلى جهود مضاعفة للخروج من أزمتها.. يكفي النظر إلى العراق وسوريا، وكيف تم تحويل موطن الحضارات العظيم إلى دول محطمة ومجتمعات مسحوقة فقيرة تفتقد إلى أبسط احتياجات الإنسان الأساسية من تعليم وطبابة وغذاء وأمن.. من الذي فعل ذلك بتلك المجتمعات ذات التاريخ العريق؟ أليس أهلها؟ دعونا من فِكْر المؤامرة لكن الحقيقة أن الذي حصل في العالم العربي ينطبق عليه القول العربي (يداك أوكتا وفوك نفخ).