نجلاء العتيبي
جزء مِن حديث مَن عاصروا مَلِكًا استثنائيًّا في فيلم «وثائقي الملك عبدالعزيز» يروي لحظةً من حياة قائدٍ حرص على كل شبر من وطنه، رُوي أن الملك -طيَّب الله ثراه- لم يكن ينام إلا بعد أن تأتيه برقياتٌ من جميع أمراء المناطق شمالًا وجنوبًا وشرقًا وغربًا، تُؤكِّد له أنه لم يحدُث خلال الأربع والعشرين ساعة شيءٌ يستوجب رفعه لجلالته، وحتى عند خروجه إلى الصحراء، كان يحمل معه جهاز الاتصال؛ ليبقى على صلةٍ بكل شبر من وطنه، متابعًا شؤون البلاد بنفسه، وحاضرًا في كل شأنٍ منها الأحداث والتطوُّرات الدقيقة التي قد تحتاج إلى رعاية أو قرار عاجل. حملُ الجهاز لم يكن إجراءً شكليًّا، وإنما تعبيرًا عن يقظة دائمة، ومسؤولية مستمرة، كان يعرف أن الأمانة لا تنتهي بانتهاء اليوم، وأن راحة القائد مرتبطة بطمأنينة شعبه، فكلُّ برقية كانت بالنسبة له نبضًا يطمئن إلى استقرار الدولة، ويُؤكِّد حُسن سير الأمور، فتكتمل بذلك مسؤولية القيادة في حضورها الدائم، تلك الرسائل الصغيرة كانت نافذةً على قلب الوطن وروحه، تُؤكِّد أن كل جزء من المملكة في أيدٍ أمينةٍ، وأن الاهتمام بكل تفصيلٍ يعكس الحرص على سلامة الجميع.
في زمن كانت فيه وسائلُ الاتصال محدودةً، كان الجهاز أداةً للحفاظ على التواصل حتى في أبعد المناطق، لم يكن البُعد عن المراكز المدنية عذرًا للانقطاع، والصحراء رغم هدوئها لم تُفقده يقظته، بل كان يسمع، يسأل، ويتابع كل تفاصيل الأحداث كما لو كانت أمامه مباشرة، ولم يقتصر اهتمامه على الأخبار العاجلة، بل كان يتتبَّع ما يحدث في كل إمارةٍ، وكل ناحيةٍ؛ ليطمئن إلى سير الأمور وَفق ما يُحقِّق الأمن والرفاهية للشعب؛ وليضمن استمرارية الدولة في كل الظروف. تلك اللحظات المرويَّة تُظهر قيم القيادة الحقيقية: حضور مستمر، متابعة دقيقة، ووفاء بالأمانة دون انقطاع، فالقائد الذي لا يستريح قبل الاطمئنان على أمن شعبه يفهم أن المسؤولية لا تتوقَّف عند مكان أو وقت، وأن استقرار البلاد يقوم على يقظة مستمرة، وحس مسؤول دائم، فكل ساعة تمضي، وكل تقرير يصل، جزء من شبكة الحرص الدؤوب التي حافظت على توازن الدولة ونموها، وعلى رعاية كل مواطن ومكان.
فعبدالعزيز لم يرَ في هذه اليقظة عبئًا، وإنما وسيلة لضمان استقرار الوطن حتى في الصحراء ظلَّ شعور الواجب حيًّا، وكان الجهاز رفيقًا للحضور المستمر، والمتابعة الدقيقة، فكل ما يقوم به يهدف إلى أن يظل الوطن آمنًا، وأن تتواصل الدولة مع كل جزءٍ منها بلا انقطاع، بحيث تصبح متانة النظام واستمرارية الدولة انعكاسًا لالتزامه وشعوره العميق بالمسؤولية. هذه اللحظة المرويَّة ليست مجرد عادة يومية، وإنما فلسفة رجلٍ عاش الأمانة كقيمته الأساسية، محافظًا على وطنه بقلبه ووجدانه، فالقيادة عنده لم تكن منصبًا، وإنما حضور ووفاء لكل تفصيلٍ من تفاصيل حياة الناس، مهما بعُدت المسافات أو امتدَّت الأيام، وكل خطوة يقوم بها متسقة مع مفهوم أن الوطن مسؤولية مستمرة، وأن الاهتمام به واجب لا ينقطع ولا يهدأ.
هكذا كان عبدالعزيز -طيَّب الله ثراه- نموذجًا للقائد الذي عاش بقلبه مع وطنه، وأبقى شعور المسؤولية حيًّا في كل خطوة، فحفظ الله به البلاد، كما حافظ هو على الأمانة التي حملها طوال حياته.
ضوء :
«إن خدمة هذا الشعب واجبة علينا؛ لهذا فنحن نخدمه بعيوننا وقلوبنا». - الملك المؤسس عبدالعزيز آل سعود، طيَّب الله ثراه.