فيصل بن عبد الله بن محمد آل سعود
نعيش اليوم في 2025 حدثاً كبيرًا بافتخار هو افتتاح المتحف المصري الكبير. هذا الحدث الذي أعاد لي ذكريات عام 2005 الشميسي المكان والزمان الحلم الكبير الذي لم يتحقق. لكن الأمل لا زال كبيراً فيما تطرحه رؤيتنا 2030 بالتوجه والاستثمار في المجال الثقافي.
المكان منطقة الشميسي على مشارف مكة المكرمة والزمان ليلة سنة 2000م، ففي صباح يوم جميل تشرفت بمصاحبة سيدي -المغفور له بإذن الله- الأمير ماجد بن عبد العزيز أمير منطقة مكة المكرمة، وبعد تناولنا وجبة الإفطار الشعبية (المعصوبة) توجهنا إلى مكة المكرمة، وتوقفنا أمام مبنى أبيض جميل وبسيط، وكان في استقبال سموه الشيخ محمد السبيل الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي، والمهندس بكر بن لادن.
لقد كان (معرض الحرمين) هو المكان والسبب الرئيس في فكرة (معرض الإسلام والسلام). وبعد الزيارة في صباح ذلك اليوم والترحيب الذي وجدناه من الشيخ محمد السبيل - رحمه الله - الذي بهرنا بمعلوماته التاريخية، وبدعمه لإبراز تاريخ المدينتين المقدستين من خلال المعروضات المتحفية كرسالة حضارية ثقافية وفنية عشناها معه لحظات ثقافية ثرية كان لها كبير الصدى في نفوسنا.
الزمان بعد هذه الزيارة هو تلك الليلة في نفس اليوم، حيث بزغت فكرة (معرض الإسلام والسلام) بعد سؤالي من خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز -يرحمه المولى رحمة واسعة- قائلاً بفراسته المعهودة أراك اليوم وكأن في نفسك قولاً جميلاً تود الإفصاح عنه؟ فأخبرته عن الزيارة، فنظر إلي قائلاً: مكة المكرمة والمدينة المنورة أهم وأعز وأغلى ما لدينا، فكيف يعرض تاريخها في ذلك المكان؟! من سيراه؟! هذا المعرض يجب أن ينقل إلى مشارف مكة المكرمة ليراه المسلم وغير المسلم، بل يجب أن يقام أكبر معرض إسلامي يحكي تاريخ مكة المكرمة والمدينة المنورة.
انطلقت بعد ذلك مرحلة عمل جاد استمرت لسنوات خصوصاً بعد اختيار مكة المكرمة عام 2005م أول عاصمة للثقافة الإسلامية، بعد ورشة العمل الرئيسة عملت مجموعة (الأغر) لسنوات وقدمت مشروع (الشميسي) (المدينة المتكاملة) على مشارف مكة المكرمة.
كان التوجيه الكريم من القيادة وفكرة إقامة متحف إسلامي عالمي هناك على مشارف مكة المكرمة حفزنا لمشروع (الشميسي) الذي لسوء الحظ لم ير النور.
أعود متذكراً وبسبب ما ذكرت سابقاً ونحن نشاهد افتتاح المتحف المصري الكبير التحدي آنذاك كيف تحقق رؤى القيادة في تصميم أكبر متحف إسلامي في العالم من حيث الحجم والمقتنيات والأثر الثقافي وهو الأهم؟ رحم الله الزميل المهندس عبد العزيز كامل الذي عملنا سوياً على التصميم الذي سيلبي رغبة القيادة الأكبر عمرانياً، والأغنى بما يحتويه من مقتنيات والأسرع في إنجازه والأهم بموقعه للحوار، حيث «الحديبية» أهم موقع حوار في تاريخنا الإسلامي.
كانت الفكرة أن يكون التصميم على شكل قرص شمس يضيء بنوره ليحكي تاريخ مكة المكرمة والمدينة المنورة، وبينهما القدس الشريف. ويشع من القرص الوسيط ستة وخمسون إشعاعاً، كل واحد منها يمثل دولة إسلامية تكرم برواق خاص بها تطوره وتعرض فيه معالم من حضارتها الإسلامية، وتقدم قطعة أو قطعتين من مقتنياتها النادرة لعرضها لمدة عام وإعادتها.
كانت رحلة جميلة أتذكر أيضاً أني في تلك الفترة تابعت معرض إكسبو هانوفر 2000م تحت شعار (الإنسان والطبيعة والتكنولوجيا)، حيث تعرفت على أحد المصممين وهو المهندس كامل الوافي - ألماني من أصل جزائري - دعوته لزيارتي بجدة والتعرف على موقع الشميسي. وعندما ذهب للعمرة وتوقف على مشارفه عاد إلي ذلك المساء تغمره الدموع تأثراً وخشوعاً ينحب ببكاء من تجربته الروحانية حاملاً، بيده ورقة بيضاء رسم عليها سجادة وجهتها القبلة وفي محرابها المتحف المقترح يزينه ست وخمسون وردة نثرت على السجادة كل منها يمثل دولة إسلامية، حيث تبني كل دولة مبنى على طرازها العمراني يكون مقر بعثتها للحج والعمرة، كذلك يحوي معرضاً لمنتجاتها ولغتها ومأكولاتها، وكان الهدف هو تعرف الشعوب الإسلامية على بعضها ثقافة وتاريخاً وحضارة، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا) [الحجرات: 11].
وتحدث عن تجربته في العمرة عندما رأى تلك الوجوه ولغاتها واختلافها، قائلاً: «إن أعظم نعمة وهبها المولى لبلاد الحرمين أن تلك القلوب تهفو إليها متلهفة للقبول ولأداء مناسكها والتزود بالمعرفة، ولا أحد يملك تلك الميزة الفريدة سوى بلاد الحرمين. كما نرى أيضاً قول الحق -عز وعلا- في آية المنافع بالحج (لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُم) [الحج: 28]. ويرى أن من واجب بلادنا بما وهبها المولى من مكانة وإمكانات أن تسخر برامج في (سجادة السلام) تجمع وتوحد وتقوي وتمكن رسالة الأمة بقيادة خادم الحرمين الخدمة الإسلام والسلام.
تلك الذكريات عادت اليوم مع افتتاح المتحف المصري الكبير الذي نفخر به مع المئة مليون شقيق مصري ليتحدث عن حضارتها الفرعونية، فكيف بنا؟! وأجدر بنا ألا يسعنا العالم فخرًا، ونحن نتحدث عن بليوني شقيق مسلم يعبرون عن حضارتهم الإسلامية التي انبثقت من أرض الحرمين الشريفين لتصل إلى أصقاع المعمورة.