فضل بن سعد البوعينين
كتبت الأسبوع الماضي تحت عنوان «مبادرة مستقبل الاستثمار واقتصاد المعرفة» ما نصه: «استحواذ شركة النفط العملاقة، أرامكو السعودية، على حصة أقلية في «هيوماين» يعكس اهتماماً أكبر من شركات النفط، بالذكاء الاصطناعي».
المهندس أمين الناصر، ذكر في لقاء مع CNBC اعتماد أرامكو على التكنلوجيا في الإدارة الشاملة لعمليات الإنتاج، والنقل عبر الأنابيب، والشحن في موانئ التصدير، واهتمام الشركة بالذكاء الاصطناعي، وأن لدى الشركة برنامجاً ضخما فيما يخص التقنية والذكاء الاصطناعي يعتمد على جودة البيانات، التي جاءت كنتيجة حتمية للبيانات الضخمة والدقيقة التي تشكلت خلال تسعين عاما، إضافة إلى القدرات البشرية، التي تتميز بها الشركة، ليس في الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا فحسب، بل وفي جميع قطاعات الشركة. يمكن تشبيه أرامكو، بالجامعة العريقة التي تسهم في تخريج كوادر متميزة قادرة على العمل بكفاءة وجودة عالية في جميع القطاعات.
خبرات متراكمة، وانضباطية عالية، وكفاءة نوعية، وتميز في الإدارة الشاملة، والأداء التشغيلي، جعلت من أرامكو علامة تجارية عالمية موثوقة، وضامنة لمخرجاتها التشغيلية وكفاءة كوادرها البشرية.
وزيرا الطاقة السابقان، علي النعيمي، وخالد الفالح، ورؤساء أرامكو السابقون، والرئيس الحالي، أمين الناصر، هم من خريجي جامعة أرامكو، ولا أقول الشركة.
يمكن تمييز أسلوب حديث الناصر حين التحدث إعلاميا، عن أرامكو كمنظومة، أو عن شؤون الطاقة والاستثمار وغيرها من القطاعات ذات العلاقة.
يشعر المتلقي بالانتماء والفخر في سياق حديث الناصر عن أرامكو، ويبدو وكأنه يتغنى بها، وبقدراتها الفائقة، وما وصلت له من كفاءة عالية وجودة رسختها الأجيال الوطنية المتعاقبة على تشغيلها وإدارتها.
وهذا أمر ملاحظ لدى غالبية موظفي أرامكو الذين قضوا فيها سنوات عمرهم الوظيفي؛ فحديثهم عن الشركة أشبه ما يكون بحديثهم عن أُسَرِهم، أو أبنائهم، الذي يغلب عليه الانتماء، و الفخر والاعتزاز.
ومثلما تميزت أرامكو في قطاع النفط والغاز، تميزت أيضا في التكنولوجيا، وبدأت في بناء منظومة متكاملة للذكاء الاصطناعي، فلدى أرامكو اليوم 200 إلى 300 عالم بيانات، بالإضافة إلى 6000 مختص في التقنية والذكاء الاصطناعي يعملون في معامل الشركة، وهو عدد كبير ولا شك، إلا أن حجم الشركة الضخم يبرر وجود ذلك العدد، وربما مضاعفته مستقبلا.
لم يكن قرار استثمار أرامكو في شركة هيوماين، قرارا عشوائيا مدفوعا بمؤثرات من خارج الشركة، كما يروج له البعض، بل هو استثمار متسق مع متطلبات المرحلة الحالية والمستقبلية التي تتطلب التوسع في القطاع التكنولوجي والذكاء الاصطناعي لتحقيق كفاءة الإنتاج، وخفض التكاليف، وبما يساهم في تعزيز ربحية الشركة، وموثوقيتها، للعملاء، وحملة الأسهم في آن، الذين يستهدفون عوائد مرتفعة لاستثماراتهم المالية.
تحقيق أرامكو لما يقرب من 6 مليارات دولار في عامي 2023، و 2024 كقيمة محققة من التكنولوجيا يؤكد أهمية التكنولوجيا لها، وبالتالي أهمية، وجدارة استثمارها في «هيوماين»، وأحسب أن تلك القيمة المحققة من التكنولوجيا لن تشكل إلا الجزء اليسير من العوائد المتوقع تحقيقها مستقبلا من التكنولوجيا، والذكاء الاصطناعي على وجه الخصوص، والعوائد المالية المتوقعة من الاستثمار في «هيوماين» بعد نموها وتحقيق مستهدفاتها المعلنة.
فارتفاع تكاليف التنقيب والحفر والإنتاج والتكرير والنقل، يمكن السيطرة عليها من خلال التطور التكنولوجي، وهذا ما أكده رئيس أرامكو في حديثه عن تكلفة البرميل من النفط المكافئ، الذي بقي في حدود 3 دولارات خلال العشرين عاما الماضية برغم التضخم، وهي رسالة مهمة ومحفزة للمستثمرين، الذين يبحثون عن الفرص الاستثمارية، ومعززة لجاذبية أي طرح مستقبلي للشركة في الأسواق العالمية.
تطوير أرامكو السعودية نموذج ميتابرين للذكاء الاصطناعي الذي يحتوي على 70 مليار نقطة بيانات، واستهدافها توسعته ليصل إلى تريليون نقطة بيانات متراكمة من سنوات الاستكشاف، واستخدامها نماذج محاكاة بتريليون خلية لإدارة حقول النفط، بهدف زيادة الإنتاج من الآبار القائمة، يؤكد الاعتماد على التكنلوجيا في جميع قطاعات الشركة وبما يسهم في زيادة الكفاءة وتحسين العمليات وتقليل التكاليف وتقليل البصمة الكربونية، وجميعها ذات أهمية قصوى، غير أن تقليل البصمة الكربونية سيكون لها أكبر الأثر في مواجهة التحديات البيئية من جهة، والتحديات السياسية التي تستغل ملف التغير المناخي لتحقيق أهداف أخرى لا علاقة لها بالتغير المناخي والاهتمام بسلامة البيئة وصحة الإنسان، والتي جاءت دوليا، ككلمة حق يراد بها باطل، ومن المهم تعامل الشركة مع الحق بذكاء وكفاءة وتحوط، لحماية نفسها وقطاع النفط من باطل المتربصين.