د.عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
حرص الرئيس ترمب على حضور قمة الآسيان في كوالالمبور لدول جنوب شرق آسيا الـ47 في 27 أكتوبر 2025، فيما غاب عن قمة الآسيان في ولايته الأولى في 22 يناير 2019 في بانكوك، حيث اتهم في وقتها إدارة ظهره للمنطقة، بعدما أعلن انسحاب بلاده من اتفاق الشراكة الاقتصادية عبر المحيط الهادئ فور توليه الرئاسة، واصفا إياها بأنها قاتلة للوظائف، تعهد حينها ترمب بإبرام اتفاقيات ثنائية بدلا من المتعددة الأطراف، لكن حضر ترمب قمة الآسيان في الفلبين عام 2017.
تمثل الآسيان 692 مليون نسمة وناتجا داخليا إجماليا بقيمة 4.2 تريليون دولار، المكون من 11 دولة تضم كلا من ( بروناي، كمبوديا، إندونيسيا، لاوس، ماليزيا، ميانمار، الفلبين، سنغافورة، تايلاند، تيمور الشرقية، فيتنام ) على ترسيخ الشراكات الاقتصادية وإبرام الاتفاقيات التجارية، فيما يضغط الصينيون من أجل تعددية التجارة، والتي دعمت انعقاد قمة الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة المدعومة من الصين، إضافة إلى أستراليا، واليابان، ونيوزيلندا، وكوريا الجنوبية، الذي يعد الأكبر تجاريا في العالم، بنحو 30 % من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، يمكن اعتباره درعا محتملا ضد التعريفات الجمركية الأمريكية، وكانت المغناطيسيات والمعادن النادرة نقطة خلاف رئيسية في الحرب التجارية بين بكين وواشنطن، حيث تسيطر الصين على 90 % من الإمدادات العالمية كورقة ضغط لمواجهة التعريفات الأمريكية، بل حتى رئيس المجلس الأوروبي أنطونيو كوستا عقد اجتماعا مع رئيس الوزراء الصيني لي تشيانغ، وقال إنه نقل قلقا قويا بشأن توسيع بكين القيود المفروضة على تصدير المواد الخام الحيوية.
عززت القمة في كوالالمبور مبادئ وحدة ومركزية المنظمة، والتي تعني ضمنيا رفض استقطاب الدول الكبرى مع مرونة الحوار مع الجميع، وشهدت القمة تعزيز العلاقات التجارية مع الولايات المتحدة والصين على حد سواء، واتفاق التجارة الحرة مع الصين يظهر مرونة الصين واعتبارها كتلة واحدة، باعتبارها أكبر شريك تجاري مع آسيان، بينما تصر الولايات المتحدة على وضع عراقيل والدخول في حوارات منفردة وعقد صفقات مع كل دولة، وتهتم آسيان بالعمل على إنجاز التواصل الشعبي بحلول عام 2045 بما يعرف بمجتمع آسيان، وأبرز إنجازات قمة كوالالمبور انضمام تيمور الشرقية للمنظمة، لتكون العضو الـ11 في المجموعة، باعتبارها منطقة جغرافية واحدة، وتوقيع سلام بين كمبوديا وتايلاند برعاية أمريكية ماليزية وشراكة صينية من أجل الحفاظ على الاستقرار في المنطقة بعيدا عن التدخلات الخارجية، حيث تضع الرابطة الأمن الإقليمي على رأس أولوياتها.
وقعت الولايات المتحدة سلسلة من الاتفاقيات في مجال التجارة والمعادن الأساسية مع أربعة شركاء من جنوب شرقي آسيا، مع ماليزيا التي تقدر احتياطياتها من المعادن النادرة 16.1 طن، وكمبوديا وتايلند وفيتنام، سعيا لمعالجة اختلالات التجارة وتنويع سلاسل التوريد في ظل تشديد الصين لقيود تصدير المعادن النادرة بشكل متزايد على تكنولوجيا التكرير الخاصة بها، مما دفع المصنعين العالميين إلى الإسراع لتأمين إمدادات بديلة للمعادن الأساسية المستخدمة على نطاق واسع في رقائق أشباه الموصلات والمركبات الكهربائية والمعدات العسكرية.
يشهد الاتحاد الأوروبي تسارعا في جهود معالجة الاعتماد الكبير على الصين في مجال العناصر والمعادن الأرضية النادرة، وهو ما يدرك التكتل لحساسية هذه المواد بالنسبة إلى الاقتصاد الأوروبي والصناعات الإستراتيجية، لا سيما في قطاعات السيارات والطاقة المتجددة والإلكترونيات والدفاع، في محاولة لتقليل الاعتماد على الصين وتأمين مصالحه على المدى الطويل، ورحب الاتحاد الأوروبي بالمبادرات الدولية التي تسهم في إزالة العوائق أمام التجارة العالمية، يأتي هذا التوجه بعد إعلان الرئيس الأمريكي ترمب عن توصل الولايات المتحدة إلى اتفاق مع الرئيس الصيني شي جينبينغ بشأن القيود على تصدير هذه المواد.
تعتمد أوروبا بشكل كبير على الصين في الحصول على مجموعة من المواد الحيوية، ليس فقط لندرتها، بل أيضا لصعوبة استخلاصها ومعالجتها إذ يتطلب عمليات الاستخراج كميات كبيرة من الطاقة والمياه وترافقها تحديات بيئية وتقنية كبيرة.
يعتمد الاتحاد الأوروبي على عناصر المعادن النادرة الصينية بنحو 98 % بينما تعتمد أمريكا بنحو 80 % بالإضافة إلى الليثيوم والكوبالت والنيكل والتي تستخدم في صناعة الألواح الشمسية، وبطاريات السيارات الكهربائية، وأشباه الموصلات، والتوربينات الهوائية، والمحركات الكهربائية، وهو ما يجعل السيطرة على هذه المواد مسألة إستراتيجية تمس الأمن الصناعي والاقتصادي والتكنولوجي للاتحاد، وهو ما يجعل أوروبا في موقف هش أمام أي قرارات سياسية أو تجارية صادرة عن بكين.
ما يجعل استقلال أوروبا في هذا المجال ضرورة إستراتيجية، بما يحقق الأمن الصناعي وتعزيز تنافسية القارة الأوروبية في الصناعات الحديثة والتكنولوجية، وهو ما يجعل أي إستراتيجية أوروبية لمواجهة الاعتماد على الصين مسألة متعددة الأبعاد، تجمع بين السياسة والاقتصاد والتكنولوجيا والاستدامة البيئية، ويمثل اتفاق أمريكا مع الصين ضغطا إضافيا على الاتحاد الأوروبي للعثور على حلول سريعة، فهو يعيش مرحلة مفصلية في سياساته الاقتصادية والإستراتيجية لضمان امن سلاسل التوريد.
ووفق ستاندرد آند بورز تمتلك السعودية احتياطيات معدنية بقيمة 9.4 تريليون ريال بزيادة 90 % عن 2016 وتم اكتشاف 4 عناصر من المعادن النادرة التانتالوم والنيوبيوم والزركونيوم والإتريوم في منطقة حزام الجلاميد وجبل أم وعال بالقرب من مثلث الحدود مع الأردن والعراق، هذه المعادن لها تطبيقات في صناعة التكنولوجيا المتقدمة مثل البطاريات والسيارات الكهربائية والإلكترونيات، وفي المفاعلات النووية وفي المحركات النفاثة، وفي المصابيح الملونة الحديثة، إضافة إلى معادن أخرى تشمل الليثيوم والزنك والنحاس والبوكسيت والسيليكا، مكونات أساسية في بطاريات السيارات الكهربائية القابلة لإعادة الشحن، وأنظمة تخزين الطاقة، والألواح الشمسية، وهي لا تعتمد فقط على التنقيب والاستخراج بل تتعداها إلى التكرير والتصنيع وبناء سلاسل إمداد متكاملة وفرصة للاتحاد الأوربي في بناء شراكات مع السعودية للحصول على المعادن النادرة في المستقبل عبر الممر الهندي الذي يمر بالسعودية ويصل إلى أوروبا.
** **
- أستاذ الجغرافيا الاقتصادية والسياسية بجامعة ام القرى سابقا