د.شريف بن محمد الأتربي
تظل مهنة التعليم من أشرف المهن التي يزاولها الملايين من البشر عبر محيط الكرة الأرضية بأكملها، فهذه المهن التي شرفت بقيام الله تعالى بممارستها مع الملائكة من قبل آدم عليه السلام، وظهر ذلك جلياً في الحوار الذي دار بين الله سبحانه وتعالى والملائكة حين أمرهم بالسجود لآدم عليه السلام، إذ قالوا: {قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ } (32) البقرة، ليأتي اليوم الذي يظهر فيه المتعلم العلم الذي علمه معلمه في موقف عصيب نتج عنه خضوع كافة الملائكة لأمر الله بالسجود لآدم إلا إبليس رفض وتكبر أن يسجد لمن ُخلق من طين، {وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} (31) البقرة. ووردت كلمات تدل على التعليم في القرآن الكريم في عدة مواضع، وعلى عدة أشكال: الْعَالَمِينَ يَعْلَمُونَ تَعْلَمُونَ فَيَعْلَمُونَ عَلِيمٌ أَعْلَمُ وَعَلَّمَ عِلْمَ عَلَّمْتَنَا الْعَلِيمُ وَأَعْلَمُ عَلِمْتُمُ يَعْلَمُ يُعَلِّمَانِ فَيَتَعَلَّمُونَ وَيَتَعَلَّمُونَ عَلِمُوا تَعْلَمْ الْعِلْمِ وَيُعَلِّمُهُمُ لِنَعْلَمَ لَيَعْلَمُونَ وَيُعَلِّمُكُمُ وَاعْلَمُوا مَعْلُومَاتٌ يَعْلَمْهُ فَاعْلَمُوا عَلَّمَكُم وَعَلَّمَهُ عِلْمِهِ وَاعْلَمْ وَيَعْلَمُ وَيُعَلِّمُهُ لِلْعَالَمِينَ وَلِيَعْلَمَ نَعْلَمُ عَلِيمًا تَعْلَمُوا لَعَلِمَهُ وَعَلَّمَكَ بِعِلْمِهِ تُعَلِّمُونَهُنَّ فَاعْلَمْ لِيَعْلَمَ لِتَعْلَمُوا اعْلَمُوا عَلَّامُ عَلَّمْتُكَ وَنَعْلَمَ عَلِمْتَهُ. وهذا يدل على عظمة المهنة وتقديرها من الله تعالى.
يتسابق الكثيرون للالتحاق بسلك التعليم، وممارسته إما كمهنة محببة لديهم، أو كوظيفة يتكسبون منها أرزاقهم ويتقوتون منها، وحتى يتحقق ذلك، يحتاج هؤلاء إلى قواعد للنجاح، تساعدهم على تحقيق مبتغاهم العلمي أو المادي، ومن أهم هذه القواعد -من وجهة- نظري التواضع؛ وهو صفة نبيلة تتمثَّل في ترك المفاخرة والتعالي، وتقدير الناس، وقبول الحق والنصيحة من أي شخص، وهو أساس للمودة والترابط الاجتماعي. كما أنه يعني معرفة الإنسان بحدوده، وإظهار الخشوع، وتجنب الغرور والإعجاب بالنفس، وعدم الرضا بالمنزلة الرفيعة إذا كان لا يستحقها. وهناك العديد من الأحاديث النبوية الشريفة التي تتحدث عن التواضع، منها قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «مَنْ تَوَاضَعَ لِلَّهِ رَفَعَهُ اللَّهُ، وَمَنْ تَكَبَّرَ وَضَعَهُ اللَّهُ، وأيضاً، قوله: «إنّ الله أوحَى إليَّ أنْ تواضعوا حتى لا يَفْخَر أحد على أحد ولا يَبغي أحد على أحد». هذه الأحاديث تدل على أن التواضع يرفع من شأن العبد، بينما يورثه التكبر وضعاً وخساراً.
ويتجلى التواضع في أجمل صوره، حين يستمع المعلم لطلابه، وأن يبادلهم العلم والمعرفة، ويعلمهم ويتعلم منهم المهارات التي وهبهم الله أيها، وأن يجعل شعورهم بأنهم جزء لا يتجزأ من المعرفة المكتسبة مسيطراً عليهم، وحافزا لهم لبذل المزيد من العطاء التعليمي، داخل الفصل وخارجه.