عايض بن خالد المطيري
من يعش في الصحراء يعرف جيدًا معنى الشجرة. حيث يكون الماء شحيحا والظل نادرا، فتصبح أي نبتة خضراء رمزًا للحياة. مربّو الماشية على مشارف المدن وفي أطراف القرى والصحارى هم شركاء أصيلون في الحفاظ على توازنها البيئي، حتى وإن لم يُنظر إليهم بهذا البُعد.
لقد اعتاد كثير منهم أن يغرسوا شجرة هنا، أو يحموا شجيرة هناك، أو يسقوا غرسًا في طريقهم، بجهود فردية متواضعة. لكن حين نتأمل حجم التأثير وراء هذه الممارسات الصغيرة، ندرك أن الصحراء تخبئ في صمتها طاقات عظيمة إذا ما أُحسن استثمارها. فهؤلاء المواطنون يوفرون الماء بحكم تربيتهم للماشية، ويملكون الحافز الطبيعي بحكم ارتباطهم بالأرض والصحراء، ولا ينقصهم سوى التنظيم والدعم الفني ليصبحوا قوة حقيقية في مشروع وطني ضخم.
التجارب الدولية تؤكد أن حماية البيئة لا تُبنى بالقرارات العليا وحدها، بل بشراكة الناس المرتبطين بأرضهم. والرعاة والمزارعون البسطاء يملكون ما يفتقده غيرهم العاطفة والارتباط بالمكان.
ولو تحولت جهودهم الفردية إلى مبادرات منظمة، لأمكن أن نكسب في سنوات قليلة ما قد تعجز عنه البرامج المركزية في عقود طويلة.
الفكرة ببساطة أن يتبنى الوطن برنامجًا وطنيًا يبني جسرًا بين هؤلاء البسطاء والجهات المعنية بالبيئة والزراعة والمياه، إلى جانب الشركات الزراعية الكبرى والجمعيات التطوعية المهتمة بالجانب البيئي، وذلك بتزويد مربّي الماشية بشتلات ملائمة للبيئة الصحراوية مثل أشجار الطلح والسدر وغيرها لغرسها حول أماكن تواجدهم وبالأودية المجاورة لهم وريها حتى تنمو، وتوفر لهم وسائل الحماية الضرورية كالسياجات الصغيرة التي تحميها حتى تكبر.
ويُحفَّز هؤلاء بالمتابعة والتشجيع والتكريم، فتتحول المبادرات الفردية إلى بيئة تنافسية إيجابية، ويصبح هؤلاء البسطاء ركيزة من ركائز مشروع السعودية الخضراء.
لذا نحن لسنا بحاجةٍ إلى أن نغرس شجرةً فحسب، بل إلى أن نغرس وعيًا بيئيًا جديدًا يجعل الحفاظ على البيئة مسؤوليةً مشتركة بين الدولة والمواطن. فعندما تتحول الصحراء تدريجيًا إلى أرضٍ أكثر خضرة بفضل تضافر الجهود، نكون أمام نموذجٍ وطنيٍّ فريد للتكامل بين الإنسان وبيئته، يستحق أن يُروى للأجيال المقبلة بوصفه قصة نجاحٍ سعودية.
إن مشاركة الرعاة البسطاء تمثل الحلقة المفقودة في مبادرة «السعودية الخضراء»، فهؤلاء الشركاء قادرون على تحويل عطائهم الفردي إلى إنجازٍ جماعي، يسهم في إعادة تشكيل ملامح الصحراء، وتحويلها إلى قصةٍ خضراء تُروى للأجيال القادمة كنقطة تحوّل نحو مستقبلٍ وطنيٍّ أكثر استدامة يليق باسم السعودية.