محمد العويفير
تتكرر ظاهرة لافتة في كرة القدم القارية، أندية تتألق في البطولة الآسيوية وتقدم صورة قوية خارجياً، لكنها في المقابل تواجه صعوبات وتذبذباً واضحاً في نتائجها المحلية خلال نفس الفترات.
هذا التباين يثير سؤالاً مشروعاً: كيف يمكن لفريق أن يتجاوز خصوماً من دول مختلفة، بينما يجد نفسه عاجزاً عن فرض شخصيته في بطولته المحلية؟
الاختلاف الجوهري يكمن في طبيعة المنافسة، الدوري المحلي سباق طويل النفس، يحتاج إلى حضور مستمر واستقرار إداري وفني ونفسي على مدار أشهر، وكل تعثر فيه يتضاعف تأثيره بضغط الجماهير والإعلام وتنافسية الجدول، أما البطولة القارية فهي سلسلة مواجهات أقصر، تُدار بتحضير ذهني وتركيز أكبر أمام كل خصم بشكل منفصل، ما يجعل الفريق أكثر قدرة على شحن نفسه للمباراة الواحدة وإظهار قوة تكتيكية خاصة، الفارق الفني بين الدوريات كذلك يلعب دوراً مهماً. بعض الدوريات الآسيوية لا تزال أقل جودة من دوريات خليجية، كالدوري السعودي الذي أصبح يضم أسماء عالمية وتنافساً عالياً.
ولعل ما حدث في بعض مباريات الهلال يؤكد هذه الفكرة، حين واجه السد كأحد أعظم الأندية الخليجية والعربية والآسيوية، والغرافة وهو متصدر للدوري القطري، ورغم قوة الخصوم لعب الهلال في عدد من تلك المباريات بتشكيلات يغلب عليها العناصر الرديفة وخرج بنتائج إيجابية من فوز ومستوى، وهذا دليل على أن التحديات الآسيوية ليست دائماً أعلى مستوى من التحديات المحلية، بل إن المشهد الحالي يقدم مثالاً واضحاً لفريق يعيش موسماً محلياً متذبذباً للغاية، مقابل استقرار لافت ونتائج إيجابية في البطولة القارية. الأهلي ـ رغم معاناته في دوري روشن هذا الموسم ـ يبلي بلاءً جيداً في بطولة آسيا للنخبة، ويحقق مستويات تظهر شخصية مغايرة تماماً عن صورته المحلية، وهذا يؤكد أن الاستعداد النفسي والتحفيز القاري يمكن أن يصبحا دافعاً أكبر لتقديم أداء يتجاوز حدود الوضع المحلي المتأزم.
في النهاية الفرق التي تتقدم قارياً هي في العادة الفرق التي تجيد التحضير للمباراة الكبيرة، وتبني شخصيتها بشكل تكتيكي يناسب المواجهات القصيرة، بينما يتطلب النجاح في الدوري المحلي قدرةً على الصمود أمام ضغط موسمي كامل، وعمقاً في قائمة اللاعبين، وواقعية في إدارة التفاصيل الدقيقة من الجولة الأولى وحتى صافرة الختام.
رسالتي:
الفرق الكبرى لاتثبت نفسها مرة، بل تثبت أنها لا تسقط حين يطول الطريق، وأنها قادرة دائماً على العودة بالحجم الذي يليق بها.
** **
- محلل فني