د. فهد بن أحمد النغيمش
تعتبر الجامعات من الركائز الأساسية التي من خلالها يتم الحكم على الأمم وشعوبها بالتقدم والرقي ونهضتها بالحضارة والازدهار، فهي ليست مكاناً يواصل الطلاب فيه تعلمهم وإكمال مسيرتهم الأكاديمية والعلمية فقط، ولم تكن ذات يوم على مر العصور والأزمنة المتقدمة منارة تدريس فقط، بل هي منارة مشعة للبحث والابتكار، خرَّجت لنا علماء ابتكروا العديد من النظريات العلمية وساهموا في تقدّم الطب ولهندسة والرياضيات!
اليوم المدينة التي تضم جامعة بين شوارعها وجنباتها هي في حقيقتها نالت نصيباً وافراً من الإشادة والإفادة ومقصداً للدارسين والباحثين وطلبة العلم، وحين تتمعن في واقع التصنيف العالمي للجامعات وما تزخر به الجامعات المرموقة عالمياً من مكانة علمية عالية تجد أن البحث العلمي قد نال النصيب الأوفر من نتاجها العالمي خاصة إذا سلَّمنا بأنها نالت دعماً كبيراً والذي انعكس على باحثيها ودراساتهم العلمية، فعلى سبيل المثال جامعة هارفارد الأمريكية احتلت الصدارة في التصنيف العالمي سنوات متعددة وما زالت تتربع على عرش الصدارة وتحصد شهرة عالمية واسعة، وحين تبحث عن سبب تميزها تجد أنها قد ركزت كثيراً وبشكل لافت على البحث العلمي، حيث سخَّرت إمكانيَّاتها الضخمة لخدمة البحث العلمي حتى في الآونة الأخيرة حين جمَّدت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب أكثر من مليارَي دولار من التمويل الفيدرالي لأبحاث الجامعة في سعيها لإجبارها على الاستجابة لمطالبها بالتغيير، وفقاً لصحيفة «واشنطن بوست» قدّمت جامعة هارفارد 250 مليون دولار إضافية تمويلاً مؤقتاً لباحثيها في ظلِّ استمرار الدعاوى القضائية التي تطعن في إجراءات إدارة ترمب. وقد وفَّر هذا التمويل حلاً مؤقتاً حتى لا يتوقف البحث العلمي للباحثين، وكذلك الحال في الجامعات المتصدرة عالمياً مثل جامعات أكسفورد وكامبريدج البريطانيَّة والتي تركِّز على المناقشة والبحث المستقل وتركيزها على الأبحاث التي تواكب المستقبل والسوق المحلي، حيث تتميَّز جامعة ستانفورد بارتباطها القوي بوادي السيليكون، ومركز التكنولوجيا والابتكار العالمي، وتُعرف ستانفورد بدعمها لريادة الأعمال والابتكار؛ مما يجعلها خيارًا مفضلًا للطلاب الطموحين الراغبين في تأسيس مشروعاتهم البحثية الخاصة في دلالة واضحة وتأكيد مستمر أن الجامعات تبنى وتزدهر حين يُشاد برصانة بحوثها العلمية وإلى مخرجاتها البشرية التي تكون محل اهتمام وبحث لدى سوق العمل!
جامعاتنا العربية اليوم لديها ميزانية ضخمة في الأبحاث ومن المعلوم أنها لا تواكب ما يتم صرفه في الجامعات العالمية آنفة الذكر إلا أن جودة البحوث ونوعيتها لا ترتقي في بعض المرات لأن توصف بالبحوث العلمية ذات الجودة والتميّز؛ فكثير منها تحمل فكرة واحدة مكررة وقد تكون قد عفا عليها الزمن، أضف إلى ذلك عدم وجود الوعي الكافي بأهمية البحث العلمي والذي ينبغي أن تؤمن به المؤسسات الخاصة والحكومية والاستفادة من نتائج الدراسات البحثية مما يجعلنا نفكر سوياً في كيفية نشر الوعي الكافي بأهمية البحث العلمي ودوره في تطور وازدهار الشعوب ومنح الحوافز التشجيعية والمكافآت التي من شأنها رفع الحس البحثي لدى الباحثين، وتبقى المسؤولية الكبرى على الجامعات التي قد يكون بعضها انصرف مؤخراً عن هدفها البحثي وركزت على الجوانب التدريسية، ولا أكون مبالغاً حين أقول إن هناك من الجامعات من زاحمت رواد التجارة والاستثمار والبحث عن موارد مالية من خلال طرح بعض البرامج التدريبية والعلمية التي قد لا ترتقي في بعضها لمستوى الجودة على الرغم من الجهود الحثيثة والمرسومة لتشجيع الابتكار والبحث العلمي كجزء من رؤية 2030، التي تعتبر الابتكار والبحث العلمي أحد العناصر الأساسية في تحقيق هذه الرؤية، فعلى النطاق المحلي تم اتخاذ العديد من الإجراءات والمبادرات لتعزيز الابتكار والبحث العلمي في المملكة العربية السعودية، فعلى سبيل المثال تم إنشاء مركز الملك عبدالله للبحوث العلمية والتقنية (KACST)، وهو مركز بحثي رائد يعمل على دعم البحث العلمي وتطوير التكنولوجيا في المملكة.
بالإضافة إلى ذلك، تم إطلاق مبادرة «مصرف المعرفة» التي تهدف إلى تعزيز ثقافة البحث العلمي والابتكار في المجتمع السعودي بمختلف فئاته، وتشمل المبادرة إقامة مراكز للمعرفة في مختلف مناطق المملكة، وتوفير الموارد والدعم اللازم للباحثين والمبتكرين.
كما تم إنشاء العديد من المراكز البحثية والجامعات التي تركز على البحث العلمي وتعزيز الابتكار، وتوفير البيئة الملائمة للعلماء والباحثين للعمل والابتكار في مجالات متنوعة، وتعزِّز دور الجامعات والمؤسسات البحثية في تطوير مشاريع بحثية تركز على مجالات متنوعة مثل الطاقة المتجددة، والتقنية، والزراعة، والبيئة، والصحة، والتعليم، وغيرها، ومع ذلك يبقى دور الجامعات السعودية في دعم البحث العلمي في وتشجيعه دون المأمول رغم أن الاستثمار الحقيقي حالياً هو الاستثمار في البحث العلمي.