د.زيد محمد الرماني
يقول وهمٌ شائع على نطاقٍ واسع إن الكتب جماداتٌ هادئة خاملة ليس لها تأثيرٌ، إنها خاصة بالأماكن الحبيسة والهدوء النظري للجامعات وغيرها من أماكن الهروب من العالم المادي. وتبعًا لهذه الفكرة الغريبة الخطأ، تزخر الكتب بالنظريات غير العملية، وأهميتها تافهة لرجل الأعمال ذي الرأس الصلب.
يقول روبرت داونز: لقد حظي متوحش الغابة بفهمٍ أكثر واقعية وهو ينحني أمام الصفحة المطبوعة، لقوتها الخارقة على نقل الرسائل. وتتراكم الأدلة فوق الأدلة، طوال التاريخ، على أن الكتب بريئةٌ وعديمة الضرر وغير تافهة؛ فهي غالبًا ما تكون عظيمة الحركة وافرة الحيوية قادرة على تغيير مجرى الأحداث تغييرًا كليٍّا للخير أحيانًا وللشر أحيانًا أخرى.
لقد أبدت الكتب قوةً هائلةً من أجل الخير ومن أجل الشر طوال التاريخ المسجل للجنس البشري. هناك مناقشة فاحصة لستة عشر كتابًا من أهم مؤلفات جميع العصور، كان لها تأثيرٌ على التاريخ والاقتصاد والثقافة والمدنية والفكر العلمي، من عصر النهضة إلى يومنا هذا.
إنها كتب بالغة القوة، مثل «نضالي» لهتلر، ذلك الكتاب الذي تنبأ بالموت والدمار اللذين أحدثتهما الحرب العالمية الثانية وكتاب هارفي الشهير عن الدورة الدموية، الذي غيَّر النظرية الطبية والعلاج، ونظرية أينشتين عن النسبية التي بدأت العصر الذري.
يقول روبرت : وصفت هذه الكتب وصفًا دقيقًا واضحًا في هذا الكتاب المثير السهل القراءة، وأوضحت ذلك النفوذ الحاسم والواسع الانتشار لهذه الكتب وكتب أخرى، منها عرض نيوتن لاكتشاف قوانين الجاذبية التي صارت حجر الزاوية في النظرية العلمية اليوم. وكتاب داروين أصل الأجناس ومؤلف هاربت بيتشرستو بعنوان كبينة العم توم الذي يعتبر أحد الأسباب الرئيسة في الحرب الأهلية الأمريكية. وتفسير فرويد للأحلام، ذلك المؤلَّف العظيم لرجلٍ أحدث انقلابًا في أفكار الرجل العصري عن نفسه.
ثم يقول روبرت: إن الغرض من هذا المؤلَّف هو توضيح القوة العاتية للكتب، عن طريق مناقشة أمثلةٍ معينة. فأولًا يجب التركيز على أنه ليس في نيتنا تقديم قائمة «بأحسن الكتب» أو «أعظم الكتب»، فإن عمل مثل هذه القوائم هوايةٌ محبوبة لتمضية الوقت لنقاد الأدب والمؤلفين والناشرين ورجال التعليم وأمناء المكتبات، الذين تنحصر توصياتهم في العلوم الأدبية.
أما الهدف منه فهو اكتشاف الكتب التي كان لها أعظم أثر عميق على التاريخ والاقتصاد والثقافة والمدنية والفكر العلمي منذ عصر النهضة، تقريبًا، إلى منتصف القرن الماضي.
المشكلة في مثل هذا الأمر، هي بالطبع في الاختيار؛ تأتي إلى الذاكرة تلقائيٍّا حفنةٌ من العناوين، فيتنوع الاختيار منها تنوعًا كبيرًا، ويُحذف معظمها عند استعمال العدد الواقع في الصف الأول؛ إذ لا بد أن يكون هذا الكتاب ذا وقعٍ عظيم مستمر على الفكر والعمل البشريين، ليس لأمةٍ واحدةٍ فحسب، وإنما لأعظم جزءٍ من العالم. وعندما يتعرَّض المرء لهذا الاختبار القاسي، يأخذ في حذف عنوانٍ بعد آخر.
من الممتع أن نلاحظ ونقارن بين المحاولات السابقة لحصر أسماء الكتب التي لها أعظم تأثير، وقد أعدَّ إدوارد ويكس وجوهين ديوي وتشارلز أ. بيرد قائمة في عام 1953م فاختار كلٌّ من هؤلاء 25 كتابًا صدرت منذ عام 1885 م كان لها في رأيه أعظم تأثير. تضم القائمة الأخيرة المختارة من هذه خمسين عنوانًا، كان أربعة منها فقط: «رأس المال» لماركس، و»نظرة إلى الوراء» تأليف بيلاني، و»الغصن الذهبي» تأليف فريزر، و»تدهور الغرب» تأليف سبنجلر، اختيرَت بالإجماع.
بعد ذلك ببضع سنين (1939م) قام مالكولم كاولي وبرنارد سميث بمحاولة تشبه هذه، لاختيار الكتب التي غيرت عقولنا، جاء 12 عنوانًا في رأس القائمة ومنها جاء اختيار مؤلفات فرويد وآدم وتيرنر وسبنجلر.
وقام الكاتب الإنجليزي هوراس شيب بمحاولة أخرى لاختيار أعظم الكتب تأثيرًا ليستعملها في كتابه « كتب حركت العالم» عام 1945م دون تحديد للزمان أو المكان أو الموضوعات. فاستقر رأي شيب على اختيار عشرة كتب.
ختاما يقول روبرت داونز الرئيس السابق للمكتبة الأمريكية ورئيس مكتبة جامعة إلينويز في كتابه الماتع (كتب غيرت العالم): يتضح مما سبق أنه من الصعب جدٍّا الإجماع على كتاب بعينه. والاختيار أمرٌ شخصيٌّ إلى درجة كبيرة وموضوعي جدٍّا. والاتفاق التام على معظم الكتب المختارة غير محتمل، ومع ذلك نأمل في أن نكون قد وفَّينا كل كتاب حقَّه من الدراسة والتمحيص الدقيقَيْن. وها نحن ذا نقدِّم هنا عرضًا مثيرًا لكتبٍ من عدة عصورٍ تُبين القوة الهائلة للكلمة المطبوعة وأثرها على التقدُّم البشري.