د. محمد بن أحمد غروي
مثلت اتفاقية هانوي التي وقعتها 72 دولة تحت مظلة الأمم المتحدة مؤخرًا في فيتنام حجر أساس لمكافحة الجرائم الإلكترونية عالميًا، إذ شكلت انتقالًا محوريًا في التصدي لمختلف الجرائم التي تستهدف الفضاء الرقمي، وينتج عنها ضرر على مستوى الفرد والدولة، في وقت أصبحت تلك الجرائم أكثر تعقيدًا وانتشارًا، وتعد هذه الاتفاقية الفريدة من نوعها والأولى عالميًا للتصدي ومنع الجرائم الرقمية.
وصف الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، الاتفاقية الأممية بأنها أداة قوية وملزمة قانونًا لتعزيز الدفاعات الجماعية ضد الجرائم الإلكترونية، وشهادة على استمرار قوة التعددية في تقديم الحلول، وتعهد بأنه لن تُترك أي دولة، بغض النظر عن مستوى تنميتها، بلا دفاع ضد الجرائم الإلكترونية.
هناك سعى دولي للاستجابة للتهديد المتزايد الذي تشكله الجرائم الإلكترونية، مع الاعتراف بأن إساءة استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات تُمكّن من ارتكاب جرائم مثل الإرهاب، الاتجار بالبشر، الجرائم المالية وتهريب المخدرات على نطاق غير مسبوق.
وتهدف إلى جعل الوقاية من الجرائم الإلكترونية والتصدي لها أكثر فاعلية من خلال تعزيز التعاون الدولي والمساعدة التقنية وبناء القدرات، لا سيما الدول النامية حيث بلورت الجرائم المعتمدة في الفضاء الرقمي والخروقات المتعلقة بالاحتيال الإلكتروني ومواد استغلال. وأنشأت أول شبكة مراقبة عالمية على مدار الساعة، لتمكن الدول من التعاون البناء والتدخل السريع وبناء القدرات لملاحقة الجرائم الإلكترونية سريعة الانتشار والتعاون بشأنها.
في اعتقادي أن هذه الاتفاقية قد مثلت نقطة تحول محورية في الاستجابة العالمية لهذا التحدي، فهي ثمرة خمس سنوات من المفاوضات الحكومية الدولية المكثفة، وتعكس التزامًا مشتركًا بإنشاء إطار دولي شامل لمنع الجرائم الإلكترونية ومكافحتها، وتسهيل تبادل الأدلة الإلكترونية المتعلقة بالجرائم الخطيرة، إذ تعد الجرائم الرقمية قضية عالمية لا حدود لها، وبالتالي فإن المناقشات والتبادلات وبناء الإجماع والتضامن والالتزام المشترك بين الدول لتنفيذ الاتفاقية بشكل مشترك أمر في غاية الأهمية.
أكدت تقارير أن الجرائم الإلكترونية في السنوات الأخيرة قد أضحت من أكبر المخاطر على أمن البيانات واقتصاد الدول والأفراد، فتشير تقديرات أنه من المتوقع أن تتجاوز خسائر الجرائم الإلكترونية 10 تريليونات دولار سنويًا بحلول نهاية عام 2025. وتشكل الجرائم الإلكترونية تهديدًا مستمرًا، فهناك الآلاف من الجرائم الالكترونية يوميًا تجاوزت 850 ألف هجوم إلكتروني سنويًا، مما يؤثر في المقام الأول على القطاعات المصرفية والرعاية الصحية والتجزئة. بينما ارتفع متوسط تكلفة خرق البيانات عالميًا وازدادت الخروقات بنسبة قاربت 10 % عن العام السابق، ليؤكد هذا التصعيد التأثير المالي المتزايد للحوادث الإلكترونية على المؤسسات حول العالم.
هناك توقعات مستقبلية لتزايد جرائم التشفير وتطور برامج الفدية على رأس أكثر الحوادث الرقمية نمواً، مع تقديرات التكلفة العالمية المتوقعة لتصل إلى 30 مليار دولار أمريكي سنوياً بحلول عام 2025، و265 مليار دولار أمريكي سنوياً بحلول عام 2031. وأبرز تقرير حديث عن شركة أي بي أم أن متوسط التكلفة العالمية لاختراق البيانات تجاوز 4.88 مليون دولار العام الماضي. كما أكد نائب مستشار الأمن القومي الأمريكي للتكنولوجيات السيبرانية والناشئة، بأن متوسط التكلفة السنوية للجرائم الإلكترونية سيتجاوز 23 تريليون دولار في عام 2027.
في منطقة جنوب شرق آسيا، تشير التقديرات إلى أن دول المنطقة خسرت ما يقدر بنحو 37 مليار دولار بسبب الاحتيال الإلكتروني في عام 2023. ووفقًا لتقرير أصدرته الجمعية الوطنية للأمن السيبراني (NCA) أواخر عام 2024، تُعدّ فيتنام ضمن الدول الأكثر تضررًا من الجرائم الإلكترونية. كما أن معدل الضحايا المحتملين يُثير القلق، إذ يقع واحد من كل 220 مستخدمًا للهواتف الذكية ضحيةً، ويتعرض 70 % من المواطنين لمكالمة أو رسالة احتيال واحدة على الأقل شهريًا.
المأمول من الدول التي وقعت الاتفاقية الدولية أن تضاعف الجهود للتصدي للجرائم الإلكترونية، في عصر بات يتجه نحو التحول الرقمي في مختلف مجالاته. ولا بد من التزام أممي وتكاتف دولي يحفظ أمن الأفراد والشركات، ويوقف نزيف الخسائر الاقتصادية للدول. فهناك تفاؤل باتفاقية هانوي وبلورة لمرحلة جديدة في مواجهة الجرائم الرقمية ومخاطرها، علها تحجم من معدلات الاحتيال الرقمي والاختراقات وتسريب البيانات في السنوات المقبلة، وتضمن فضاء آمن للأفراد والجماعات وتعزيز الأمن السيبراني بين الدول.