العقيد م. محمد بن فراج الشهري
أخبار صادمة، ومخيفة، ومرعبة، تتناولها الصحف العالمية ووسائل السوشيال ميديا، والقنوات الفضائية عن تطورات جديدة في مجال الذكاء الاصطناعي ليست في صالح البشرية على الإطلاق، وما قدمه الذكاء الاصطناعي للبشرية حتى الآن يمكن مجاراته والإفادة منه رغم ما يصاحبه من محاذير، لكن أن يتطور الأمر حتى يصل إلى تجاوز أفكار البشرية والتعدي على خصوصياتها فهذا أمر غير مقبول في كل المجتمعات، وأنا أتحدث في هذه المقالة عن (الذكاء الاصطناعي الفائق)؟! ولكي نقرب الفهم قليلاً حسب ما أورده علماء الذكاء الاصطناعي والعاملين في مجاله من متخصصين فقد عرفوه بأنه نظام اصطناعي افتراضي يعتمد على البرمجيات، ويتمتع بنطاق فكري يتجاوز (ASI) الذكاء الاصطناعي الفائق الذكاء البشري، على المستوى الأساسي، ويتميز هذا النوع من الذكاء بوظائف إدراكية متطور ومهارات تفكير عالية المستوى تفوق تلك التي يمتلكها أي إنسان.
على الرغم من أن الذكاء الفائق الذكاء لايزال فكرة افتراضية، إلا أن هناك تقنيات حالية تمثل اللبنات الأساسية التي قد تساعد على إنجاز هذا العمل المخيف لتخفيفه في المستقبل، ولكن لتوضيح بعدنا عن تحقيق أو الذكاء الاصطناعي الضعيف، أو تقنيات الذكاء الاصطناعي (ANI) والذي يشار إليه غالباً باسم الذكاء الاصطناعي المحدود، ويتفوق الذكاء الاصطناعي الضعيف في مهام محددة مثل لعب الشطرنج، أو ترجمة اللغات، لكنه غير قادر على تعلم مهارات جديدة أو تطوير فهم عميق للعالم، يعتمد هذا النوع من الذكاء على خوارزميات مبرمجة مسبقاً وبيانات مًدخلة، ويتطلب تشغيله تدخلاً بشرياً، لكن هناك اختلاف بين الباحثين بشأن إمكانية تحقيق الذكاء الاصطناعي (الفائق الذكاء)؛ فالذكاء البشري هو نتاج عوامل تطورية محددة، وهو يمثل الشكل الأمثل أو العام للذكاء، كما أن آلية عمل الدماغ البشري لا تزال غير مفهومة بالكامل مما يجعل من الصعب محاكاتها عبر البرمجيات والأجهزة، لذلك يسعى الباحثون إلى طرق ووسائل جديدة، وما يدور في الآفاق الآن هو الذكاء الفائق المخيف، فهل يمكن تحقيق الذكاء الاصطناعي الفائق وهو ما يعرف بالذكاء الاصطناعي العام (ASI) وتتمثل الخطورة الكبيرة نحو تطويره إلى (AGI) أو الذكاء القوي، ويشير الذكاء الاصطناعي العام (Artificial General Intelligence - AGI) إلى أنظمة ذكاء اصطناعي قادرة على فهم العالم والتعلم وحل المشكلات بمرونة وشمولية تضاهي القدرات البشرية، لكن رغم ذلك من فوائد يَعدون بها الذكاء الاصطناعي (الفائق) فإن العلماء يحذرون من مخاطر جوهرية مرتبطة بهذا الذكاء.
أحد المخاوف الرئيسية يتمثل في احتمال تجاوز الذكاء الاصطناعي (الفائق) السيطرة البشرية ليصبح واعياً بذاته، مما قد يؤدي إلى عواقب غير متوقعة وربما تهديدات وجودية؟!، قد تتيح له قدراته الإدراكية الفائقة التلاعب بالأنظمة، أو حتى التحكم في الأسلحة المتقدمة إذ أن (ASI) والمشكلات المرتبطة بمستوى الذكاء الاصطناعي الحالية قد تتفاقم بشكل كبير مع تطور الذكاء الاصطناعي (الفائق) مما يمكن أن يؤدي ذلك إلى انتشار البطالة على نطاق واسع جداً، مما يتسبب في اضطرابات اقتصادية، واجتماعية، وإنسانية، ويؤدي إلى تفاقم أوجه عدم المساواة القائمة وتعطيل صناعات بأكملها، وتطوير أسلحة فتاكة خارجة عن التخيلات مما يزيد بشكل كبير(ASI) في المجالات العسكرية، والدفاعية، ويمكن للذكاء الاصطناعي (الفائق) من الإمكانيات التدميرية للحروب، بالإضافة إلى ذلك يمكن أن تستغل أطراف خبيثة القدرات المتقدمة، لهذا الذكاء لتحقيق أهداف ضارة مثل السيطرة الاجتماعية، وجمع البيانات وتعزيز التجهيزات.
وأخيراً، قد يصنع الذكاء الاصطناعي (الفائق) أهدافاً تبدو مفيدة ظاهراً، لكنها قد تشكل خطراً وجودياً على البشرية، ولكن وبدون تدخلات مناسبة، قد لاتتماشى أنظمته المتقدمة مع القيم الإنسانية إطلاقاً، وبرمجته لكي يتماشى مع الأخلاقيات البشرية غير واردة وعملية معقدة للغاية، خاصة في ظل غياب توافق عالمي حول المبادئ الأخلاقية، مما قد يؤدي إلى معضلات أخلاقية، وعواقب لاتحمد عواقبها، خصوصاُ إذا بدأت هذه الأنظمة العمل خارج السيطرة البشرية، مما قد يؤدي إلى سلوكيات غير متوقعة يصعب السيطرة عليها..
لذلك يصبح من الضروري، وضع أنظمة حماية ولوائح تنظيمية دولية لمنع حدوث هذه السيناريوهات .. والتجاوب مع علماء الذكاء الاصطناعي القدامى الذين يحذرون من المضي في هذا الطريق ومنهم من حصل على جائزة نوبل في هذا المجال..
وأطلقوا نداءاتهم بوقف الاستمرار في تطوير الذكاء الاصطناعي (الفائق) لأنه يحمل تهديداً واضحا للبشرية، وعواقبه وخيمة جدا، ويطالبون القائمين على أبحاثه الحالية بالتوقف عن الاستمرارية فيه، طالما أنه لايزال فكرة افتراضية قريبة التحقق قبل أن تحل الكارثة ويخرج إلينا أمورا لم تكن في الحسبان، فهل يستمع العاملون عليه حالياً إلى إنذار العلماء السابقين أم يستمرون في عنادهم وعبثهم، وطمعهم في الخروج عن المسارات الطبيعية للبشرية، مما قد يكلف العالم كله أمورا لاتُحمد عواقبها إطلاقاً.