خالد محمد الدوس
تعد المحميات الطبيعية نموذجاً رائداً للتنمية المتكاملة، حيث تجسد علاقة متوازنة بين الإنسان وبيئته، ومعروف أن هناك علاقة تفاعلية وصلة قوية بين الإنسان والأم الحنون (البيئة) حسب معطيات علم اجتماع البيئة، ولذلك لم تعد هذه المحميات مجرد مساحات معزولة لحماية الطبيعة، بل تحولت إلى منظومات حيوية تدعم الاقتصاد المحلي وتعزز التماسك الاجتماعي وتحافظ بالتالي على الموروث الثقافي، مما يجعلها أدلة حية على إمكانية تحقيق تنمية مجتمعية شاملة تراعي الأبعاد البيئية والاقتصادية والاجتماعية في المجتمع المعاصر.
وبالطبع تشكل المحميات الطبيعية حجر الزاوية في الحفاظ على رصيد الأرض الاستراتيجي من الموارد، وذلك من خلال عدة أدوار رئيسية تتمثل في:
- الحفاظ على التوازن البيئي حيث تمنع المحميات استنزاف الموارد الطبيعية وتدهورها، وتحافظ بالتالي على التنوع البيولوجي اللازم لاستمرار الحياة، وذلك من خلال حجز أجزاء من البيئات البرية والبحرية وحظر الأنشطة البشرية المؤذية فيها.
- حماية الأنواع المهددة، ومعروف أن المحميات توفر ملاذاً آمناً للأنواع النباتية والحيوانية المهددة بالانقراض، وتعمل على صون المصادر الوراثية الوطنية التي تشكل أساساً للعديد من الصناعات الدوائية والطبية.
- تعديل المناخ العام.. أي تسهم المحميات في تحسين المناخ المحلي والعالمي من خلال الحفاظ على الغطاء النباتي الذي يمتص ثاني أكسيد الكربون، وتحافظ على منابع المياه وتحمي التربة من عوامل التعرية. كما أن المحميات الطبيعية أصبحت عناصر فاعلة في التنمية الاقتصادية، حيث تخلق فرصاً متعددة للمجتمعات المحلية، ومنها على سبيل المثال لا الحصر:
- تنشيط السياحة البيئية في المجتمع.. بعد أن تتحول المحميات إلى وجهات جذب للسياح المهتمين بالطبيعة والتراث، مما ينعش الاقتصاد المحلي من خلال توفير فرص العمل في مجالات الإرشاد السياحي والخدمات الفندقية والمطاعم وغيرها.
- خلق فرص عمل مباشرة وغير مباشرة.. وكما هو معلوم تؤدي أنشطة المحميات إلى توظيف أبناء المجتمعات المحلية في إدارتها وتشغيلها، كما تتيح فرصاً غير مباشرة من خلال تطوير حرف يدوية ومنتجات وخدمات لخدمة الزوار.
- الاستخدام المستدام للموارد.. حيث تسمح المحميات بالاستفادة من الموارد الطبيعية بطريقة منظمة تحافظ على استدامتها، مثل جمع النباتات الطبية والعطرية تحت إشراف علمي دقيق.
والأكيد أن المحميات الطبيعية تمثل مراكز إشعاع معرفي واجتماعي من خلال: التربية البيئية.. إذ إن المحميات تعد «مدرسة مفتوحة» للتعليم والتدريب لكافة فئات المجتمع، وتزيد الوعي الجماهيري بأهمية التنوع الحيوي وتغير السلوكيات السلبية تجاه البيئة.. كما أنها تسهم في تعزيز المشاركة المجتمعية ويؤدي إشراك السكان المحليين في إدارة المحميات إلى كسب ولائهم وتمكينهم من تحمل المسؤولية تجاه بيئتهم، مما يعزز الشعور بالانتماء والمسؤولية المجتمعية. إلى جانب الحفاظ على التراث الثقافي.. فهي تحافظ على المعارف والثقافات التقليدية المرتبطة بالطبيعة، وتحمي المواقع الأثرية والتاريخية القديمة، مما يسهم في الحفاظ على الهوية الثقافية للمجتمع.
وبالطبع برز العديد من النماذج العربية الناجحة في إدارة المحميات الطبيعية التي استطاعت تحقيق التوازن بين الحماية البيئية والتنمية المجتمعية ومنها -بدون شك- المملكة العربية السعودية حيث تشهد المملكة طفرة في مجال المحميات الطبيعية من خلال مبادرة «السعودية الخضراء» التي تهدف إلى زيادة المساحة المحمية لتصل إلى 30 % من إجمالي مساحة المملكة، مما سيمكنها من تحقيق تنمية سياحية واقتصادية مستدامة.. كون المحميات الطبيعية ركيزة أساسية في تحقيق مستهدفات رؤية المملكة الطموحة2030 في الجانب البيئي. ومعلوم أنه في عام 2018 صدرت أوامر ملكية بإنشاء محميات ملكية ذات استقلال اداري ومالي بهدف حماية الموارد الفطرية وإعادة توطينها وتنشيط السياحة البيئية ويبلغ عددها ثماني محميات وتضم مناطق ذات تنوع أحيائي وجيولوجي ومناخي.
وتبعاً لذلك لم تعد المحميات الطبيعية (رفاهية)، بل أصبحت ضرورة استراتيجية لتحقيق تنمية مجتمعية شاملة ومستدامة.. فالنجاح المستقبلي لهذه المحميات يتطلب تبني رؤية متكاملة ترتكز على تشجيع استثمارات القطاع الخاص في أنشطة المحميات من خلال برامج المسؤولية الاجتماعية. بالإضافة إلى تعزيز التعاون الإقليمي والدولي لتبادل الخبرات ووضع المعايير الموحدة، خاصة وأن الاستثمار في المحميات الطبيعية هو استثمار في مستقبل المجتمعات البشرية، حيث تتحول هذه المساحات المحمية من مناطق معزولة إلى منارات للتنمية المستدامة تثري الحياة بجميع أبعادها البيئية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.