خالد محمد الدوس
عندما استقل علم الاجتماع الرياضي وانفصاله عن علم الاجتماع العام كانت بسبب أهداف الموضوعية الطموحة التي يحملها هذا الميدان الغني، ويريد تحقيقها من خلال ترجمتها على أرض الواقع بصورة علمية واقعية، وبالتالي بدأ علم الاجتماع الرياضي يرسم الحدود النظرية والمسارات التطبيقية بينه، وبين علم الاجتماع العام من جهة، وبينه وبين الأنشطة الرياضية من جهة أخرى، ولذلك كان هناك عدة أهداف يريد أن يحققها من خلال الصروح الأكاديمية والمؤسسات البحثية، وهذه الأهداف يمكن تحديدها في النقاط التالية:
- إجراء البحوث العلمية والدراسات النظرية والتطبيقية عن المواضيع التي يهتم بها علم الاجتماع الرياضي والتي تبحث من قبل الخبراء والمتخصصين كتحليل الفرق والجماعات الرياضية تحليلاً وظيفياً وتشخيص العوامل الاجتماعية المساعدة على تنمية الحركة الرياضية ودراسة المشكلات الإنسانية والاجتماعية التي يعاني منها الرياضيون وتهدد بالتالي عرقلة المسيرة الرياضية.
- من أهدافه دراسة العلاقة الديناميكية بين الرياضة كنظام اجتماعي والنظم الاجتماعية داخل المجتمع، خاصة النظم الكبرى الأسرة والدين والاقتصاد والسياسة والتعليم.
- يقوم علم الاجتماع الرياضي، وضمن أهدافه توظيف البحث العلمي في تشخيص ومعالجة أهم المشكلات الاجتماعية التي يعاني منها الرياضيون وفي دراسة أثر العوامل الاجتماعية في تنمية وتطور القطاع الرياضي وتحقيق أهدافه المستقبلية.
- تكوين العلاقات المهنية والعلمية الإيجابية بينه وبين علم الاجتماع العام من جهة، وبينه وبين علم التربية الرياضية من جهة أخرى، وتكوين مثل هذه العلاقات يعتمد على المركز الإستراتيجي الذي تحيكه علم الاجتماع الرياضي بين علم الاجتماع والتربية الرياضية. فمن علم الاجتماع العام يحصل العالم الاجتماعي الرياضي الحقائق التفصيلية عن البناء الاجتماعي ومؤسساته الفرعية.
- يهدف علم الاجتماع الرياضي كعلم مستقل أن يتبوأ منزلة علمية دقيقة من خلال مشاركته في المجتمع الرياضي على وجه التحديد ومعالجة المعوقات الاجتماعية والإنسانية لحركة التربية الرياضية في المجتمع وذلك من واقع دخوله كمقرر أكاديمي في الجامعات هذا إلى جانب زيادة عدد الباحثين والمتخصصين في حقوله الدراسية ودعمه المادي والمعنوي حتى يصبح من العلوم المهمة في رسم خطط التنمية الرياضية الشاملة في المجتمع المعاصر.
ولأهمية هذا الميدان الخصب الذي يكشف العلاقة التفاعلية بين المجتمع والرياضة كون الرياضة ظاهر اجتماعية ديناميكية جاء تأسيس ونشأت هذا العلم الحيوي على يد العديد من العلماء الاجتماعيين في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا.. بمفهومه الأكاديمي.. ومن أبرزهم رائد علم الاجتماع الرياضي الأمريكي «إيرل سميث» الذي عمل أستاذا لعلم الاجتماع الرياضي في جامعة ديلاوير في ولاية نيويورك، وجامعة ويك فورست، وهو من أشهر علماء الاجتماع الرياضي في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث كرّس أعماله خلال العقود الثلاثة الماضية حول دراسة العلاقة المتبادلة بين المجتمع والاقتصاد والرياضة، وفي عام 2008 قامت جمعية أمريكا الشمالية للاجتماع الرياضي NASSS بتكريمه كأفضل مؤلف في علم الاجتماع الرياضي.
ولد العالم الراحل إيرل سميث -من أصول إفريقية- عام 1928 وتوفي عام 2014م.
نال شهادة الدكتوراه من جامعة كاليفورنيا وتخصص في مسار (علم الاجتماع الرياضي) وعمل في أعرق الجامعات الأمريكية، واشتهر بأبحاثه وإسهاماته في مجال علم الاجتماع الرياضي، وقد صنف خبيرا في الدراسات الاجتماعية حول الرياضة.
كانت أعماله البحثية تركز على عدة موضوعات مهمة في علم الاجتماع الرياضي مثل العنف في الرياضة، وقضايا العرق والعدالة الاجتماعية في المجال الرياضي والتنمية الاجتماعية من خلال الرياضة، ويعد من الرواد في تحليل كيفية تأثير العوامل الاقتصادية والاجتماعية على المشاركة الرياضية خاصة بين الأقليات العرقية، التي كانت من أهم إسهاماته خاصة في الولايات المتحدة الأمريكية عندما قام بتحليل كيفية استخدام الرياضة كوسيلة للهروب من الفقر والتمييز العنصري، خاصة بين الأمريكيين من الأصول الأفارقة.
وكذلك مساهمته في تطوير منظور نقدي لفهم الرياضة حيث ربط بين الممارسات الرياضية والقضايا الاجتماعية مثل: عدم المساواة الاقتصادية والتمييز العنصري وتأثير الطبقة الاجتماعية على المشاركة الرياضية.
ترك العالم الراحل إيرل سميث العديد من المؤلفات الغنية والأبحاث المتميزة التي أثرت مكتبة علم الاجتماع في الولايات المتحدة الأمريكية ومن أبرزها كتاب «الرياضة والعرق والحلم الأمريكي» في المجتمع الأمريكي والذي فاز بجائزة أفضل كتاب للعام 2007-2008، وكتاب «المنظور النقدي» حلل فيه سميث كيفية تأثير الرياضة على المجتمع المدني للأمريكيين من أصل إفريقي، وفرصهم الاقتصادية وحياتهم الأسرية، ويقدم هذا الكتاب نقدا لما يسميه «المجتمع الرياضي الصناعي»، وكتاب «علم اجتماع الرياضة والنظرية الاجتماعية» تناول في هذا المؤلف شرح للنظريات الاجتماعية التاريخية والمعاصرة وتطبقها على مواضيع معاصرة في الرياضة مثل المنشطات وقضايا النوع الاجتماعي والعرق والهوية ودور الدين في الرياضة، ويوضح بذات الوقت للطلاب والباحثين كيف يمكن للنظرية الاجتماعية أن توفر إطارا مناسبا لفهم الأنماط السائدة في عالم الرياضة.
أبحاث العالم الراحل سميث -لا مناص- تشكل مرجعاً مهماً للباحثين والمتخصصين في مجال علم الاجتماع الرياضي، وقد أسهم كثيراً في تطوير هذا الميدان الحيوي من خلال أبحاثه ومنجزاته الأكاديمية في هذا الفرع الخصب الذي كان في بداية تأسيسه في أواخر القرن التاسع عشر بلا هوية ومنهجية وفضلا عن تعدد المسميات.. ليتحول كعلم أكاديمي.. مع اهتمامات العديد من العلماء الاجتماعيين الرياضيين أمثال العالم (إيرل سميث)، ورائد علم الاجتماع الرياضي البريطاني (إريك دوينيغ) والعالم الأمريكي (جي كوكلي) وغيرهم من العلماء المعاصرين الذين منحوا هذا الميدان الخصب صبغة أكاديمية كعلم مستقل له نظرياته ومدارسه وأبحاثه ومقوماته العلمية.