د. مساعد بن سعيد آل بخات
تُعاني بعض المدارس، إن لم يكن معظمها، من عدم حرص بعض الطلاب والطالبات على الانضباط المدرسي، والذي يوحي لنا بأن هناك فجوة بين جهود وزارة التعليم لإفادة الطلاب والطالبات بأكبر قدر من المعارف والمعلومات من أول يوم دراسي حتى آخر يوم دراسي مع تقاعس بعض الطلاب والطالبات عن الحضور للمدرسة، والاستفادة من المعلمين والمعلمات بزيادة حصيلتهم العلمية واكتساب مهارات متنوعة تفيدهم وتؤهلهم للحياة.
ويعرف الانضباط المدرسي بأنه مجموعة من القواعد والاستراتيجيات المطبقة في المدرسة لإدارة سلوكيات الطلاب والطالبات وتشجيعهم على الانضباط الذاتي لضمان بيئة تعليمية منظمة ومثمرة.
وللانضباط المدرسي عدة أهداف يسعى لتحقيقها، ومنها ما يأتي:
أولًا: إيجاد بيئة آمنة تناسب لتعليم الطلاب والطالبات.
ثانيًا: متابعة حضور أو غياب الطلاب والطالبات خلال اليوم الدراسي.
ثالثًا: تشجيع السلوكيات الإيجابية التي تصدر عن الطلاب والطالبات وحثهم على استمرارها، مثل: الحضور للمدرسة طيلة أيام الفصل الدراسي كاملةً.
رابعًا: تقويم سلوك الطلاب والطالبات ومنع السلوكيات التي تلحق الضرر بالآخرين، مثل: الاعتداء على الآخرين جسديًا أو لفظيًا.
خامسًا: ضمان تقدم التحصيل الدراسي عند الطلاب والطالبات.
إنَّ أهمية الانضباط المدرسي تتعدى موضوع العلم والتعلم، إلى ما هو أعمق من ذلك، فهو يساعد على تحقيق الأمن والاستقرار في المدرسة؛ ما يؤدي لاحقًا إلى انتقال هذا الأمن والاستقرار في المجتمع، ويساهم في حفظ حقوق الأفراد، ويُعد كطريقة وقائية من الوقوع في الانحراف والجريمة، وقد يُرسم من خلاله طريق ناجح لحفظ أمن هذا الوطن الغالي على أنفسنا.
فقد أثبتت الدراسات أن الطلاب والطالبات المتفوقين دراسياً يكونون أكثر انضباطاً في المدرسة من غيرهم من الطلاب والطالبات الضعيفين دراسيًا، وأيضًا أثبتت الدراسات أن غالبية من يدخل السجون هم من الأفراد الضعيفين دراسيًا، أو من الذين انسحبوا من المدرسة (بالتسرّب). ومن أهم أسباب عدم الانضباط المدرسي، وبالتحديد فيما يتعلق بأسباب الغياب المتكرر لبعض الطلاب والطالبات عن المدرسة ما يأتي:
أولًا: ضعف جاذبية بعض المدارس للطلاب والطالبات، فالمدرسة التي تهمل الأنشطة الطلابية، ولا يوجد بها تجهيزات مدرسية من حيث: أدوات المختبرات وأجهزة حاسب آلي للمعامل، ولا يوجد بها أشجار في الممرات تبعث الحياة في نفوس الطلاب والطالبات.. ونحو ذلك من الأمثلة تكون هذه المدرسة غير محببة للطلاب والطالبات للدخول إليها والمكوث بها قرابة سبع ساعات.
ثانيًا: عدم تفعيل بعض المعلمين والمعلمات لمرافق المدرسة عند شرح الدروس، فالمدرسة التي يجلس فيها الطالب في الصف لسبع أو ثمان حصص متتالية تكون مملة، بعكس المدرسة التي يتم تفعيل مرافق المدرسة لإفادة الطلاب والطالبات مثل: مركز مصادر التعلم، المختبرات، الصالة الرياضية..إلخ.
ثالثًا: للرفاق تأثير كبير على انضباط الطلاب والطالبات في المدارس من عدم ذلك، فمصاحبة طالب لطالب آخر ضعيف دراسيًا كفيلةٌ بعدم انضباطه في الحضور للمدرسة والاستفادة من المعلمين، والعكس صحيح.
رابعًا: عدم تطبيق بعض المدارس لنظام المواظبة على الطلاب والطالبات يساهم في تشجيعهم على الغياب عن المدرسة، فإذا عرف الطالب بأن المدرسة ستحسم منه مثلًا درجة عن كل يوم غياب بدون عذر، فإن ذلك سيحد من غيابه في قادم الأيام.
خامسًا: تأثر بعض الطلاب والطالبات بالمواضيع التي تطرح في برامج السوشيال ميديا ومنها التساهل في الغياب عن المدرسة، وخصوصًا قبل أيام الإجازات المطولة وإجازة الخريف ونحوهما، وكأنه حقٌ مشروع للطالب.
سادسًا: ضعف متابعة بعض الأُسر لأبنائها وبناتها مما يساهم في عدم حرص الطلاب والطالبات على الذهاب للمدرسة، لأن التشجيع والحزم من قِبل الأب والأم أصبح مفقودًا.
سابعًا: أيام الإجازات المطولة المعتمدة في السنة الدراسية أصبحت عاملا سلبيا معينا لبعض الأُسر ولبعض الطلاب والطالبات على الغياب، وربما بعضهم يربطها بالسفر لمدينة أو دولة ما.
ثامنًا: يحتل النظام التعليمي في السعودية في مجال الجودة حسب تصنيف دافوس 2025م لجودة التعليم العام المركز السادس عربيًا والمركز السابع والخمسين عالميًا، علمًا بأن أبرز معايير تصنيف دافوس لجودة التعليم تركز على جودة المؤسسات التعليمية، وتشجيع الابتكار والبحث العلمي، والبيئة الاقتصادية، والصحة المدرسية، وتوافق المناهج الدراسية مع سوق العمل، والتقدم التكنولوجي في التعليم، ومساهمة التعليم في تطوير الأعمال..إلخ، ربما يتساءل البعض: ما علاقة الجودة بغياب بعض الطلاب والطالبات؟
وهنا أقول لهم بأن الجودة تعتمد على تحسين أداء العمل في المؤسسات التعليمية، فمثلًا إذا وجد عدم تفعيل التقنية بالتعليم في مدرسة ما فالجودة تساهم في حل هذه المشكلة للارتقاء بالتعليم، أما إذا لم تحل فإن المدرسة تصبح مملة للطالب وغير مشوقة بتوفر أحدث الأجهزة والتقنيات التي تدعم العملية التعليمية.
تاسعًا: زيادة عدد الأيام الدراسية في السنة لتصبح قرابة 180 يومًا عما كانت عليه في السابق قرابة 158 يومًا.
عاشرًا: تقصير بعض المعلمين والمعلمات في عدم شرح الدرس عند غياب بعض الطلاب والطالبات، ربما لأن يتوقع بأنه ملزم بشرح الدرس مرة أخرى، وهذا الأمر خاطئ، مما يوحي للطلاب والطالبات الحاضرين بأن شرح الدروس مرتبط بحضور الجميع وعند غياب البعض يتم التوقف عن الشرح.
الحادي عشر: اعتماد بعض المعلمين والمعلمات على الشرح النظري للطلاب والطالبات بسبب عدم توفر أدوات أو أجهزة للشرح العملي، مثل: عدم توفر كمبيوتر في معمل التربية الرقمية، مما يجعل الطالب لا يستمتع بالتعليم.
الثاني عشر: ارتباط حضور الطلاب والطالبات بحصص محببة لهم خلال اليوم الدراسي، مثل: التربية الرياضية، التربية الفنية، فأذكر بأنني في يوم الخميس وجدت ثلاثة فصول من ثالث متوسط الحضور فيها قرابة نصف العدد 22 طالب من أصل 44 طالب، عدا فصل واحد كان الحضور فيه مميزًا فالغياب لديهم قرابة أربعة طلاب فقط، وعندما سألتهم عن السر ذكروا لي حضورنا مثالي اليوم لأن لدينا حصة تربية بدنية، أما الفصول الأخرى فليس لديهم تربية بدنية اليوم.
وإذا أردنا أن نحل مشكلة غياب بعض الطلاب والطالبات عن المدرسة فينبغي أن نعتمد على ما يأتي من واقع خبرة ميدانية:
أولًا: إلغاء أيام الإجازات المطولة (الإضافية) التي بها يوم يسبق أو يلي يومي الجمعة والسبت.
ثانيًا: إلغاء إجازة الخريف والتي مدتها أسبوع ودمجها مع إجازة منتصف العام الدراسي لتصبح أسبوعين بدلًا من أسبوع.
ثالثًا: تزويد المدارس باحتياجاتها من التجهيزات المدرسية، مثل: أدوات المختبر، كمبيوتر، بروجكتر، وسائل تعليمية..إلخ.
رابعًا: تفريغ رائد النشاط بالمدرسة لعمل أنشطة لا صفية مكثفة للطلاب تشجعهم وتحمسهم على حب الحضور للمدرسة، مثل: عمل مسرحي، التاجر الصغير، مسابقات ثقافية، دوري كرة القدم، دوري تنس، زيارات خارج المدرسة، فطور جماعي للطلاب..إلخ.
خامسًا: تطبيق نظام السلوك والمواظبة على الطلاب والطالبات في جميع المدارس وليس في بعضها يطبق والبعض الآخر لا يطبق، وربط درجات السلوك والمواظبة عند تخرج الطالب من المرحلة بقبول الطالب من عدمه في المدرسة الموجودة بالحي، أي أن الطالب الذي معدله منخفض في السلوك والمواظبة لا يقبل في المدرسة الأقرب لبيته كنوع من العقاب له ولأسرته على عدم الانضباط.
سادسًا: تكثيف التعاون بين التوجيه الطلابي في المدرسة مع أولياء أمور الطلاب والطالبات من خلال مجالس أولياء الأمور، وحضور حصص دراسية مع أبنائهم، وتقديم لقاءات تربوية وورش عمل..إلخ.
سابعًا: تعزيز التعاون بين وكيل شؤون الطلاب في المدرسة مع أولياء أمور الطلاب والطالبات وتزويدهم بأحدث المستجدات عن وضع أبنائهم وبناتهم من حيث: الغياب والتأخر الصباحي والحالات السلوكية ودرجات الحسم في السلوك أو المواظبة ..إلخ.
ثامنًا: متابعة الأُسر لأبنائهم وبناتهم وتشجيعهم على الانضباط المدرسي والتقيد بأنظمة المدرسة، ونصح أبنائهم وبناتهم على مصاحبة الطلاب والطالبات الأخيار والابتعاد عن الأشرار، لأنه كما يقال: الصاحب ساحب.
تاسعًا: دمج الطلاب الذين لديهم غياب متكرر في فصل واحد أو أكثر حسب العدد، وتثبيت حصة التربية البدنية والتربية الفنية لديهم بالجدول في يوم الخميس.
عاشرًا: إيجاد شراكة بين التعليم العالي والتعليم العام بإشراك الباحثين والباحثات في الدراسات العليا بالجامعات لعمل دراسة ميدانية على الطلاب والطالبات في المدارس لمعرفة أسباب كثرة الغياب وما هي الحلول لها.
ختامًا..
الاعتراف بوجود المشكلة وتحديدها هو أول خطوة لحلها.