عبدالعظيم العويد
لم أكن يومًا أظن أنني سأكتب خبرًا، أو أُجري لقاءً، أو أقف خلف كاميرا ترصد لحظة وتوثق حدثًا.
لم أكن من أولئك الذين حلموا منذ الصغر بأن يصبحوا إعلاميين، أو درسوا الإعلام ضمن خططٍ مرسومة بعناية.
كل ما في الأمر أن الصدفة تلك التي كثيرًا ما تغيّر مسار الحياة وضعتني في أول الطريق، ثم وجدت نفسي أواصل السير حتى أصبحتُ جزءًا من هذا العالم الذي لا يعرف الهدوء ولا الملل.
كانت البداية عادية، بل عابرة؛ خبرٌ صغير كتبته بدافع الفضول، أو ربما بدافع المسؤولية تجاه حدث شعرت أنه يستحق أن يروى. لكن ما إن نشر ذلك الخبر، حتى اكتشفت أن الحروف تحمل سحرًا لا يقاوم، وأن الكلمة إذا خرجت من القلب تستطيع أن تترك أثرًا يفوق كثيرًا من الأفعال.
ومنذ تلك اللحظة، لم تعد الكتابة مجرد هواية عابرة، بل أصبحت نافذة أطل منها على المجتمع، وأرى من خلالها تفاصيل الناس وأحلامهم وهمومهم.
في تلك المرحلة، كنت أتعرف على نفسي من جديد، كنت أكتشف أن بيني وبين الكلمة علاقة خفية لم أكن أعيها من قبل. كنت أكتشف أن عبدالعظيم العويد، ذاك الذي لم يخطط يومًا لأن يكون إعلاميا قد وجد في المهنة مرآة يرى فيها ذاته، ومساحةً للتعبير عن الناس بصدقٍ ومسؤولية، لا بحثًا عن شهرة عابرة، بل عن معنى أعمق للرسالة.
الإعلام كما تعلمت من التجربة ليس مهنة تقف عند نقل الحدث، بل رسالة تتجاوز حدود الكاميرا والمايكروفون.
إنه ضمير حي يلتقط الحقيقة، ويقدمها بصدق واحترام للعقول قبل العيون.
ولعل أجمل ما في الإعلام أنه يُعلّمك الإنصات قبل الحديث، ويُرغمك على التواضع مهما بلغت شهرتك، لأن كل صوتٍ تسمعه يحمل حكاية، وكل صورةٍ تراها تختصر عمرًا من التجارب.
أن تكون «إعلاميا بالصدفة» يعني أن تدخل هذا الميدان بلا تخطيطٍ مسبق، لكنك تبقى فيه لأنك أحببته، وآمنت بأن الرسالة أهم من العنوان، وبأن الكلمة الصادقة لا تحتاج إلى إذنٍ لتصل. ربما لم أدرس الإعلام أكاديميا، لكن الحياة كانت مدرستي الأولى، والميدان كان فصلي الذي تعلمت فيه أن الخبر ليس مجرد نص يُقرأ، بل نبضُ إنسان يروى.
واليوم، حين أستعيد تلك البدايات المتواضعة، أدرك أن الصدفة لم تكن عبثا، بل كانت هدية القدر التي قادتني إلى شغف لم يخطر لي يومًا على بال.
فكل طريقٍ نصل إليه عن غير قصد، إنما كان ينتظرنا منذ زمن، وكل صدفةٍ تُشبه قدرًا كتبه الله لنا بخط من حبر وصدق وحكاية.