م.عبدالمحسن بن عبدالله الماضي
1 - تخلص دراسات السلوك الاجتماعي إلى أن الجماهير قوة ضاربة لكنها ليست قوة واعية، لذلك فهي قوة محايدة غير منحازة، ولهذا فهي قابلة للتوجيه.. كما يؤكدون على أنه لا توجد مجتمعات عاقلة أو مجنونة، وهنا تكمن خطورة القائد، فإما أن يوجهها للسلوك العاقل المتزن أو يوجهها للسلوك المنفلت المجنون.. الأمر الآخر أن المجتمعات لشدة حيادها تستطيع أن تقبل حالتي العقل والجنون بالتعاقب، دون أن يثير ذلك الأمر التساؤل أو الاستنكار لدى العموم!
2 - القائد يمكن أن يوجه المجتمع ليكون مسالماً مستسلماً، أو يوجهه ليكون مقداماً متهوراً بلا قلب.. كما يمكن أن يقوده ليكون مجتمعاً محافظاً ذا سمت ووقار، أو مجتمعاً يمارس أكبر الحماقات ويقترف أبشع الجرائم وهو مملوء بالحماس والفخر.. كل ذلك يحدث لذات المجتمع، ربما في ذات الوقت ينتقلون بين العقل والجنون وهم لا يشعرون!
3 - القادة هم الذين يؤثرون على المجتمعات بعقولهم أو جنونهم، بوقارهم أو انفلاتهم، بمحافظتهم أو استهتارهم، بحذرهم أو تهورهم.. لذلك يروي لنا التاريخ كما نشهد اليوم كيف أن قائداً مصاباً بالتوتر والجنون يمكن أن يقود مجتمعه إلى حروب طاحنة تحصد الأرواح وتكلف الآلام، وتحول مجتمعه إلى أفراد يموتون باستبسال ونشوة في عرس مجنون نتيجة خضوعه لقائد مجنون.
4 - تحول المجتمعات دائماً مربوط بالقائد القابض على دفتها المتحكم في أجهزتها.. فالمجتمعات من خلال تقاليدها المتوارثة ومعارفها المتراكمة وتجاربها التي عاشتها يفترض أنها أقرب إلى العقل والوقار.. لكنها مع كل هذا قابلة لأن تعيش الجنون بتوتراته ومغامراته وتصادماته، لا لشيء إلا لأنها استجابت لذلك القائد ذي العقلية المضطربة.. فعقلية القائد تغلب عقل المجتمع، والمجتمعات بطبيعتها قابلة لأن تكون مطيعة مؤمنة مأمورة أو متحمسة صاخبة متدفقة.
5 - الحركات الجماهيرية كلها تجعل الطاعة العمياء مُعادِلة للإيمان.. فاتحاد العقول لا يمكن أن يتحقق بمجرد الإيمان بعقيدة واحدة، بل لا بد أن يكون الاستسلام للقائد مساوياً للاستسلام لله، فالتحرر من المسؤولية في نظر المحبطين أكثر جاذبية من التحرر من القيود.. لذلك فإن الاستسلام للقائد وطاعته العمياء ليس وسيلة بل غاية في حد ذاته، أما الاتجاه الذي يسير فيه القائد فأمر لا يهم كثيراً.. فالوحدة الجماعية ليست محصلة الحب الأخوي الذي يكنه الأتباع لبعضهم البعض، إنما هو الولاء للمجموع وليس لزملائه أتباع الحركة.. والتابع الحقيقي طبقاً لهذه الرؤية على استعداد للتضحية بالأقارب والأصدقاء لكي يثبت ولاءه لقضيته المقدسة.