م. بدر بن ناصر الحمدان
يقول الفيلسوف الفرنسي (مونتين): «اعرف ما يُرضيك، تعرف من أنت»، ويقول الفيلسوف الألماني (إيمانويل كانط): «إن الذوق الجمالي -أي ما نفضّله أو لا نفضّله- هو صورة عن نظامنا الأخلاقي الداخلي»، وفي المعنى النفسي «ما تُفضّله يعكس احتياجاتك العاطفية وقيمك، وما لا تُفضّله يكشف عن حدودك ووعيك بما لا يناسبك»، حقيقة دائماً تثيرني مسألة تفضيل الناس لأشيائهم، وكثيراً ما تدفع بي للبحث عن تلك الدوافع التي تجعل من أحدهم يفضل شيئاً عن الآخر.
قياساً على ما تُفضّله وما لا تُفضّله على المستوى الشخصي، أجدني أُفَضِّل الأشخاص الذين لا يلتفتون للوراء، ويمسكون بأطراف الطريق، الذين يتقنون لغة الجسد، وفن إدارة المسافات، أولئك الذين تراهن عليهم متى ما بحثت عنهم، ومن يعشقون العزلة وتلك المقاعد على حافة النهر، ومتذوقي الشاي والليل والأماكن الخافتة، بيني وبين (الفِيلَةُ) علاقة قديمة، تجذبني الأحاديث التي تكون عن اليوم، لا عن الأمس ولا الغد، أحب مرافقة الأشخاص الذين لا يبحثون عني ولن ألتقي بهم مرّة أخرى، اللقاءات العابرة لا تغادر ذاكرتي، العاشرة والنصف مساءً هي أجمل أوقاتي، ويوم الأربعاء صديقي القديم، أعشق فصل الخريف والمطر والأوراق المتساقطة، تلفت نظري المرأة التي لا أعرفها وترتدي وشاحاً أسود، ذائقتي تكمن في الأطباق الخضراء والفستق وعصير الرمان، في كرة القدم لا شيء يضاهي «دييجو مارادونا» و»بوكاجونيورز» وأن تسهر العاصمة على ليلة زرقاء خالصة، ينيتسيا (البندقية) المدينة التي تشبهني، بالنسبة لي «الْخَبَرُ» وَ»جَدَهُ» مَدينَتانِ هارِبَتانِ من ديوان شعر، اللون الرمادي يشعرني بالحياة، وشيء ما وراء الرقم (23)، رحلات منتصف الليل اختياري الدائم، قاعدتي أن أكون موجوداً وغير مرئي، بداخلي شخص آخر، ولحظات مفقودة، وجمال الأيام في عيون «شيهانة».
وما لا أُفَضِّله، أَنْ أُغادِرَ دُونَ أَثَرٍ.