د. محمد عبدالله الخازم
تلعب وزارة الثقافة ممثلة في هيئاتها وصندوقها الثقافي دوراً كبيراً في تحفيز الثقافة والإنتاج الثقافي بكافة فروعه. هذا أمر مفروغ منه، لكن لدينا أسئلة وأفكار تتعلق بذلك التحفيز من مبدأ اقتصادي واستراتيجي، مع التركيز على الكتاب، كمثال.
في النظرية الاقتصادية يمكن تحفيز المنتج عبر دعم إنتاجه أو عبر دعم شرائه. يعتمد الأمر على تشخيص الواقع وعلى الهدف النهائي المرجو تحقيقه. الكتاب مثالاً، هل الإشكالية في صناعته أم في انتشاره وتوزيعه وإتاحته للقراء؟
يبدو أن الدراسات أوضحت نقصاً في الإنتاجية، فجاء التركيز على دعم إنتاج ونشر مزيد من المؤلفات والترجمات. النتيجة إيجابية -رقمياً- بزيادة كمية التأليف والنشر والترجمة، لكن ماذا بعد الإنتاج، هل تكتمل دورة الإنتاج بالبيع والتوزيع وإحداث الأثر بالوصول إلى شرائح القراء المستهدفين؟
البعض يرى أن التركيز على دعم الناشرين أكثر من بقية أطراف العملية الإبداعية، يقود إلى ظاهرة اتكالية بعضهم على الدعم ورفع تكلفة النشر على المؤلف العادي، الذي يطلب منه الدفع قبل النشر. استفادت من الدعم دور النشر المحلية والعربية وليس في الأمر حسد لهم؛ هم وسيطنا في إيصال منتجاتنا الثقافية، ونقدر الصعوبات التي تمر بها صناعة النشر. لكن ما قيمة مؤلفاتنا إذا كانت لا تُـقرأ؟
أين يذهب المنتج الثقافي، بعيداً عن أرقام الإنتاج؟ أحد الأرقام التي ربما تحتاج دراسة؛ كم عدد النسخ التي تباع/ توزع/ تنشر من الكتاب الواحد؟ كم عدد المكتبات وقاعات القراءة التي يتواجد بها ذلك الكتاب؟ كم مدرسة وجامعة ومكتبة عامة وصلها الكتاب؟
يبدو لي أن النظرية الاقتصادية المناسبة هنا يفترض ألا تكون في دعم الإنتاج فقط، لأن ذلك يقود إلى زيادة أرقام المنتج لا زيادة أثره. بل الأفضل دعم المنتج عبر شرائه ونشره/ توزيعه عن طريق مختلف المنافذ الثقافية والتعليمية وهذا بدوره سينعكس على الإنتاج ويزيده. دائماً نتساءل؛ لماذا لا نرى المنتج الثقافي الحديث في المكتبات العامة ومكتبات المدارس والجامعات والملحقيات الثقافية والعلمية وغيرها من المؤسسات والهيئات والوزارات وقاعات العرض؟ لماذا لا نراه في منافذ التوزيع والبيع ذات العلاقة؟
يمكن دعم شراء الكتاب عبر إعفاءات ضريبية، عبر مبادرة دعم التوصيل المجاني للكتب، عبر شرائه وتوزيعه على المدارس والجامعات والمكتبات والملحقيات الثقافية وعبر الإهداءات للمنظمات والجهات المحلية والدولية ذات العلاقة. كما يمكن التأكيد على تلك الجهات بشراء الكتاب السعودي.. إلخ. لدينا 31,231 مدرسة، 42 جامعة، 31 ملحقية ثقافية، 84 مكتبة عامة. لو اقتنت كل منها 30 كتاباً (ما قيمته 2000 - 4000 ريال) لاقترب عدد الكتب الموزعة من المليون كتاب.
الخلاصة، أعلم أن الإنتاج الثقافي لا يزال دون الطموح وأقدر جهود الجهات الثقافية في دعم الإنتاج، لكنني أرى أهمية توجيه الدعم نحو شراء وتوزيع المنتج وليس فقط صناعته. لن يوقف الدعم للمنتج لكنه سيصل عبر مزيد من الشراء. طبعاً، الأمر يتطلب التنسيق مع قطاعات أخرى مثل التعليم، والجامعات، والمكتبات العامة وغيرها. في النهاية يهمنا الأثر الثقافي، والذي يمكن لمسه من خلال وصول المنتج إلى أكبر شريحة من القراء.