د.محمد بن عبدالرحمن البشر
الرئيس الأمريكي ترامب رئيس شعبوي غير تقليدي، جاء من خارج المؤسسات السياسية الأمريكية، وكان ديمقراطي الميول، ثم غير طريقه فأصبح جمهوريا، يصرح ويفعل ويصدر قرارات غير مألوفة وغير متوقعة، لا يخشى النقد، ولا يبالي بما قد يترتب على قراراته عندما يراها صواباً من وجهة نظره، وتتوافق مع ميوله وطبيعته التي جبلها الله عليها، فهل كان العالم في حاجة إلى مثله ليغير النهج السياسي المألوف، والمقنن والمحدد ببروتوكولات، وقيود سياسية رسمية مدروسة، ومن المعروف أن لكل حزب من الحزبين الوحيدين في الولايات المتحدة الأمريكية عقيدته في السياسة الخارجية، ونهجه المرسوم والمدروس، لكن ترامب أحياناً يخرج عن ذلك، مثل فرض التعرفات الجمركية، والموقف من أوكرانيا وروسيا، وضربه لإيران، والاعتماد على أقاربه وأصدقاء أبنائه، إضافة إلى السياسيين والتكنوقراط.
يبدو أنه يستمتع بالظهور الإعلامي بشكل لافت، فيتحدث عند باب الطائرة، وفي مكتبه، ويكتب في وسائل الإعلام، ويتحدث إلى المذيعين في التلفاز، وفي قنوات كثيرة ما عدا قناة السي إن إن، فهو لا يحبها، ويتجنب الرد على أسئلة مراسليها، ردة على اسئلة المراسلين يكون معد له في العادة، وأحياناً يتحدث من تلقاء نفسه. يتحدث في أكثر من موضوع، ويحاول أن يظهر نفسه بأنه رجل السلام، وأنه الأفضل في كل شيء، فهو لايحتاج إلى ابي تمام والمتنبي، وابن زيدون، ليمدحوه، لأنه يقضي نسبة معتبرة من أحاديثه في الثناء على نفسه، والتقليل من شأن من لا يحبهم.
دخل في معارك كثيرة حول التعريفات التي فرضها فنجح في بعضها مثل ما تم مع الاتحاد الأوربي، وإندونيسيا، والمكسيك، وفرض على بنما عدم تجديد عقد الموانئ مع الصين، وحقق نجاحاً مع المكسيك، وكندا، دخل في صراع مع البرازيل التي لم تذعن ففرض علي بضائعها خمسين في المائة، لكنها لم تقبل توقيع اتفاقية وظلت صامدة، وقال إنه سوف يقابل الرئيس البرازيلي لكن لم يحدد بعد، أيضاً دخل في صراع تجاري مع الهند، بوضعه تعريفات جمركية لأسباب تجارية، ولأسباب سياسية تتعلق بشراء النفط الروسي، وصرح أنها وافقت على التوقف عن شرائه، لكن الحكومة الهندية نفت، وذكرت أن ذلك لم يحدث، وأنها سوف تفعل ما هو في مصلحة مواطنيها، ثم عاد وهددها بأنها إذا لم تتوقف سوف تواجة تعرفات قاسية.
التفت إلى الصين، التي فرضت قيودا على المعادن النادرة، وألغى لقاءه مع الرئيس الصيني، ثم عاد وذكر أنه يحبه وسوف يلتقي به، ولنا أن نتصور أن عدد سكان الهند والصين مع بعضهما أكثر من ستة وثلاثين في المائة من إجمالي عدد سكان العالم، ولا يمكن للولايات المتحدة أن تخسر عددا كهذا، إضافة إلى أنهما لو تقاربا أكثر، وزادت التجارة البينية التي استمرت متعثرة سبع سنوات، فإن ذلك سيكون له أثر سلبي على الولايات المتحدة، لاسيما أن الدولتين لديهما إمكانات اقتصادية حالية ومستقبلية كبيرة، ومن المؤكد أنه سوف يجد حلاً للخروج من هذا المأزق.
بقي أن نقول إن القضيتين السياسيتين الأهم التى تحويها أوراقه المتناثرة هي قضية الشرق الأوسط، وغزة وإقامة دولة فلسطينية، والثانية الحرب الروسية الأوكرانية، وصياغة نهج لحلهما.