د. محمد عبدالله الخازم
تعتبر الكليات والجامعات غير الربحية جزءاً مهماً من منظومة التعليم العالي، وتمتاز بأنها ليست ملك أفراد ينتظرون أرباحهم نهاية العام وإنما مؤسسات أهلية تعود لها أرباحها لتنميتها عبر تطويرها، وتنمية استثماراتها وادخاراتها.
حظيت تلك الكليات / الجامعات بدعم التأسيس عبر تبرعات فردية أو دعم حكومي أو غير حكومي، تمثل في حصولها على أراض ومبان وبنى تحتية مجانية، إلى آخره. وهذا الأمر يستوجب التقدير لكل من ساهم في تأسيسها ودعمها. هي لا تعاني من تكاليف الأصول وضرورة استعادتها مثل المشاريع الربحية. مثال تلك الجامعات / الكليات، والمعذرة إن نسيت إحداها؛ جامعات: الأمير سلطان، اليمامة، الأمير محمد بن فهد، دار الحكمة، عفت، الفيصل، الراجحي.
يلاحظ على الجامعات الأهلية أن غالبية مكاسبها تصرف في تشغيلها وقليل من مشاريع التوسعة، بما في ذلك مكافأة العاملين فيها وعليها. أربعون عاماً منذ بدء التعليم العالي غير الربحي (الحديث) لم نرَ أوقافاً قوية لتلك الجامعات نبتت من أرباحها وتدر عليها مداخيل وفيرة ولا استثمارات بارزة، تعيش في الغالب على هبات المتبرعين (بمن في ذلك المؤسسون) والرسوم الدراسية. حتى دعمها للبحث العلمي متواضع، فهي مجرد جامعات تدريسية. الأسباب عديدة، تشريعية ورقابية وتنفيذية، نترك لمجالسها فحصها.
للتوضيح -بشكل مختصر- هناك ثلاث حسابات / ميزانيات للجامعة المتطورة:
1) ميزانية التشغيل.
2) ميزانية الاستثمار.
3) حساب / ميزانية الادخار.
جامعة ليس لديها ادخارات واستثمارات قوية تعيش على (اللحظة) ولا تنظر للأمام البعيد.
أثبتت الأزمات ذلك، وأذكر هنا مثالين لتصرف الجامعات الأمريكية أيام أزمة كورونا. جامعة (يـيل) عند انكشاف ميزانية التشغيل حصلت على الدعم من حساب الاحتياط، لتحافظ على أساتذتها وبرامجها.
في الطرف الآخر، سرَّحت جامعة (جون هوبكنز) بعض الأساتذة وقلصت دعم المنح رغم ثرائها الفاحش، لأنه وبسبب صرامة مجالسها العليا في عدم المساس بالادخارات، لم يتم دعم ميزانية التشغيل من الحسابات الأخرى، بالذات مع تأثر الاستثمار كذلك بالجائحة وحجة عدم وضوح نهاية الأزمة.
الأمثلة توضح أن الجامعة ليست مجرد رسوم دراسية تقبضها وتصرفها على التشغيل. بل يفترض الالتزام بخطة تشغيلية وميزانية مقرة مسبقاً، وزيادة الأرباح والاستثمارات والموارد وتحويلها إلى الاحتياطات والاستثمارات. هذا أحد أسرار (تعملق) الجامعات الغربية غير الربحية، كونها ليست رهينة الرسوم الدراسية، فقط.
مدراء جامعاتنا يقبضون رواتب عالية لمجرد إدارتهم البرامج الأكاديمية وليس وفق إنجازاتهم في مجال تنمية واستدامة الموارد. بل يرونها أفكاراً حالمة، هذا التقسيم؛ استثمارات وادخار وأوقاف. كما وصفها أحدهم عند نقاشنا حولها.
ربما نحتاج معاملة الجامعات الأهلية وفق النظم التجارية، بإلزامها بنشر ميزانياتها، مواردها، مصروفاتها، أرباحها وخسائرها. ربما نحتاج إلى تقليص راتب مدير الجامعة ليكون دخله الأعلى عبارة عن مكافآت / حوافز وفق معايير الإنتاجية وتنمية الموارد والاستدامة، كمدراء البنوك والشركات الكبرى.
ربما نحتاج إلى تعيين قادة للجامعات من خبراء المال والأعمال وليس الأكاديميين والمتقاعدين من القطاع الحكومي. طبعاً، يكفي وجود نواب يعنون بالجانب الأكاديمي، كما يحدث في جامعات غربية عديدة.
أكرر التقدير للمؤسسين والمساهمين في تأسيس الجامعات غير الربحية؛ هم لا ينتظرون العوائد والأرباح الشخصية، لكنهم يأملون الاستدامة والنمو لما قدموه.