د. سطام بن عبدالله آل سعد
لم تعد الخصخصة مجرد خيار إداري أو استجابة ظرفية، بل تحوّلت إلى أداة استراتيجية لإعادة هندسة العلاقة بين الدولة والسوق والمجتمع ضمن رؤية تنموية شاملة تعيد تعريف الأدوار وتوزيع المسؤوليات. ومع تصاعد الاهتمام العالمي بمفهوم الاستدامة، بات تقييم الخصخصة يُبنى على الكيفية التي تُنفّذ بها، لا على معايير الربح والكفاءة فقط، مع ضرورة ضمان احترام مبادئ الاستدامة وتوازن المصالح على المدى البعيد.
وفي جوهرها، تحمل الخصخصة وعودًا بالكفاءة والمرونة وتحفيز الابتكار، من خلال إشراك القطاع الخاص في إدارة الموارد وتقديم الخدمات. غير أن هذه الوعود لا تكتسب طابعًا مستدامًا إلا إذا ارتبطت بتصميم محكم، ورؤية مجتمعية واعية، ورقابة مؤسسية فعالة.
فلا ينبغي أن يتحقق الربح على حساب البيئة، ولا أن تتحول الكفاءة إلى مبرر لإقصاء الفئات الأقل حظًا من الحصول على الخدمة.
وفي التجارب الدولية، نجحت الخصخصة حين كانت مدفوعة برؤية اقتصادية متكاملة، لا بردّ فعل لأزمة مالية. وعانت حين فُهمت كبيع لأصول الدولة دون اعتبار للبُعد الاجتماعي أو الأثر طويل الأجل. وهنا تبرز الاستدامة كمعيار حاكم، لا كشعار تجميلي. فالشركات التي تتولى قطاعات حيوية، كالصحة والتعليم والنقل، لا يقاس أداؤها فقط بالأرباح، إنّما بمدى التزامها بتقديم خدمة عادلة، آمنة، وصديقة للبيئة.
الاستدامة، إذًا، ليست عائقًا أمام الخصخصة، بل بوصلتها. وإذا كانت الخصخصة تعيد توزيع الأدوار بين الحكومة والسوق، فإن الاستدامة تعيد ترتيب الأولويات؛ من تعظيم العائد الفوري إلى ضمان القيمة المتجددة للمجتمع، والبيئة، والاقتصاد.
إنّ الخطورة تكمن في الخصخصة التي تُنفذ دون حوكمة واضحة. فعند غياب التشريعات الضابطة، والآليات الرقابية، والمؤسسات القادرة على التقييم والمساءلة، تتحول الخصخصة من فرصة للتطوير إلى مصدر للاضطراب الاجتماعي وتدهور الخدمات.
ومن هنا يبرز دور الحكومات، كمنظم يضع الإطار العام، وليس كمنافس للقطاع الخاص ، بحيث تضمن بقاء الخصخصة في مسارها الصحيح، دون أن يُفرغها من روحها الربحية.
وفي سياق الخطط التنموية الحديثة، التي تُعدّ الاستدامة أحد محاورها الرئيسة، تخضع كل خطوة تخصيص لفهم استراتيجي متكامل للأثر الثلاثي: الاقتصادي، البيئي، والاجتماعي. فلا مجال لخصخصة شكلية، بل لتوجه نحو اقتصاد ديناميكي يوازن بين الكفاءة، والعدالة، والاستدامة.
قد يتمتع السوق بدرجة أعلى من الكفاءة مقارنة بالحكومات في كثير من الأحيان، إلا أن الحكومات تدرك المسؤولية الأخلاقية وتتحرك بمنظور استراتيجي أشمل. فالمعادلة الناجحة تكتمل حين تُترجم هذه الثنائية إلى سياسات تخصيص ذكية، ومرنة، ومستدامة.
***
- مستشار التنمية المستدامة