أ.د.عثمان بن صالح العامر
الكاتب المبدع هو ذلك الإنسان الذي يمتلك مهارة التقاط تفاصيل المواقف والأشياء والأحداث والشخوص والمدن والطرقات التي نمر بها صباح ومساء ولا نلتفت لها جراء الألف وطول المراس، ليس هذا فحسب بل يصوغ لنا بعد ذلك ما التقط بقالب جمالي فاخر لا تستطيع حين تبدأ في أول كلماته الفلات منه حتى تصل إلى آخر حرف مكتوب، تعيش مع هذه التفاصيل المتنوعة التي سبكت بأسلوب سهل ممتنع ثر، تقرأها وتعايشها صورا حية تداعب خيالك، وترسم لوحة فرح أو حتى حزنا تتجاوز ناظريك لتستقر بين الحنايا ردحاً من الزمن، ولا تملك عند نهاية كل مشهد من مشاهد الحكاية التي تأخذك بعيداً لعالم الكاتب الذي تقرأه حتى تصرخ بأعلى صوتك (مبدع، بطل، فنان، أديب بامتياز، -ماشاء الله عليه-.
هذه حالي مع السيرة الذاتية إن حق لي أن أنعتها بذلك للطبيب النفسي الفذ سعادة الدكتور عبد الله بن صالح الطحيني، التي سماها «المجد لمن لا يتوقف (رحلة في وجه العواصف).
لقد أدمنت القراءة في (أدب السير الذاتية) مرحلة من مراحل عمري الثقافي، وكثيراً ما أوصيت طلابي ومن طلب مني النصح بالبدء في القراءة المعمقة بهذا الفن من فنون الأدب قناعة مني بأن هذا النوع من القراءة يمنح القارئ خلاصة تجارب المبرزين والمفكرين والأدباء والسياسيين والاقتصاديين والرحالة، ويختصر المسافات لمن أراد البدء من حيث انتهى من سبق، وهي كذلك بالفعل، ولا أبالغ إن قلت: إن (أبا صالح) استطاع أن يوظف هذا النوع من الكتابة بشكل احترافي رائع، قل أن تجده عند غيره، حتى أنك وأنت تمضي سريعاً وبلهف رغبة لمعرفة ما يخفيه الفصل القادم تظل مأسوراً لما فات، تردد تلك العبارات الحكيمة الرائعة التي سكبها الكاتب بذكاء وسط الحكاية.
إنني في هذا المقال محدود المساحة أعترف أنني لن أستطيع أن أفي الكاتب حقه، وفي ذات الوقت أظلم النص الإبداعي الذي كل فصل فيه يحتاج لمقال بل آكثر من مقال، ولكن من المجزوم به عندي أنني في حضرة ( كاتب حائلي وطني مبدع) بكل ما تحمله الكلمة من دلالة، وما تكتنفه الكتابة النخبوية الواعية من مضامين، وأنصح كل شاب وفتاة خاصة الأطباء وعلى وجه الخصوص من هم في نقطة البداية، أو أعجزهم السير لبلوغ الأهداف التي ينشدون، ويريدون أن يرسموا لهم خارطة طريق في عالم مزدحم، وتحديات متنوعة، ومثبطات متعددة أن يقرؤا هذا النص الرائع بعقلية المتفائل، وبصيرة المتحفز، وصبر المتوكل، وعزيمة الواثق، ونظرة المتطلع الوصول إلى قمة المجد، وإنني وأنا أعرض بإيجاز لهذا المنجز الأدبي المتميز - بدأ بالعنوان مروراً بصورة الغلاف، ومن ثم الإهداء والمقدمة والفصول العشرة، وانتهاء بالخاتمة التي أوجز فيها مبدعنا بعض المعاني القيمة التي خرج بها من مشوار ما تصارم من أيام حياته - إنني وأنا في مقام الحديث عن هذا الكتاب أزجي جزيل الشكر وفائق الامتنان للمؤلف العزيز على هذا الإهداء الجميل الذي أعده من أثمن الكتب التي حصلت عليها هذا العام، وفي ذات الوقت أبارك لسعادة الدكتور عبد الله هذا المولود الثقافي الرائع، وأتمنى له طول العمر على عمل صالح، كما أسأل الله عز وجل أن يبلغه ما تتوق له نفسه، وأن يشفيه الرب سبحانه من كل داء، وأن يعود لنا من بعثته وقد أكمل مسيرته العلمية بامتياز كما هو عهدنا به ومعرفتنا له، وفي نفس الوقت يعود وقد أنجز مولودا ثقافيا جديدا، فما أجمل أن يكتب طبيب نفسي نصا أدبيا أنيقا، كما هو النص الذي بين يدي، وأتطلع أن يستضاف الدكتور عبد الله من قبل أحد المنابر الأدبية الوطنية ليتحف متذوقي النصوص الإبداعية بشيء مما هو بين دفتي هذا السفر المتميز، وأن يكون للنقد الأدبي قراءته التفكيكية للكتاب الذي ختم مؤلفه ما سطر بين دفتيه بقوله:(في النهاية، هذه ليست رواية عن المجد، بل عن الاستمرار، عن محاولة البقاء واقفاً مهما كانت الرياح.
كتبتها لنفسي قبل أن أكتبها لأحد، لأتذكر أن الطريق كان مليئاً بالعواصف، لكنني -بحمد الله-.. لم أتوقف، فالمجد لمن لا يتوقف) سلمت أناملك يا عزيزي الطبيب الطيب، وإلى لقاء والسلام.