الثقافية - أحمد الجروان:
يمثل أدب الخيال العلمي واحدًا من أكثر الأنواع الأدبية إثارة وتحديًا، إذ يُعيد تشكيل الواقع وفق فرضيات علمية، ويمزج بين ما هو ممكن وما هو متخيل، ويقوم على معطيات علمية وتقنية قابلة للتطور أو التحقيق على أرض الواقع، ويخالف الخيال العلمي الذي يخلط بعض المهتمين بينه وبين الفنتازيا التي تنطلق من عوالم خيالية بالكامل، وتُبنى على السحر، والمخلوقات الخارقة، والأساطير دون ارتباط بواقع علمي.
ورغم تأخر حضوره في الأدب العربي، إلا أنه بدأ يأخذ موقعه تدريجيًا في المشهد السعودي، بفضل كتّاب طموحين، ودعم مؤسسي متنامٍ يسعى لإبراز هذا اللون الأدبي عالميًا.
جهود ثقافية لهيئة الأدب والنشر والترجمة في إبراز أدب الخيال العلمي
في هذا السياق، برزت جهود هيئة الأدب والنشر والترجمة في تحفيز إنتاج أدب الخيال العلمي محليا، حيث نظّمت دورة تدريبية بعنوان «أدب الخيال العلمي» ضمن برنامج «أنت» التدريبي، واستهدفت الدورة تطوير مهارات المشاركين في كتابة هذا النوع الأدبي، وتزويدهم بالأدوات والمعارف اللازمة لبناء عوالم تخيلية متميزة، وقد شملت المحاضرات التعريف بأسس الكتابة وأساليب تطوير الشخصيات والحبكة، إلى جانب ورش تطبيقية لكتابة نصوص خيال علمي قصيرة، وهو ما أسهم في فتح آفاق جديدة للجيل الشاب من الكتّاب.
الأديب خالد الحقيل.. ريادة سعودية في «أدب الخيال العلمي»
وفي موازاة هذا الدعم المؤسسي، لمع اسم الكاتب السعودي خالد عبد الكريم الحقيل، الذي يعد من أوائل من تخصصوا في هذا المجال محليًا، فقد أطلق سلسلة «سعوديات» التي تمزج بين تقنيات الخيال العلمي والبيئة السعودية، من أبرزها روايات: المنشق، فارس، الشُبهاء، مهمة في بوشهر، وآخرها «عودة الشر»، التي أعلن عنها عبر منصة X:
نص التغريدة (عودة الشر الجزء الخامس من السلسلة، عمل سعودي بالكامل، وتدور أحداثه داخل مدينة سعودية، وهو مسجل رسميًا في الهيئة السعودية للملكية الفكرية).
ونوّه الحقيل بأهمية التمييز بين الخيال العلمي القائم على منطق وتطورات علمية، وبين الفانتازيا التي تعتمد على الخوارق والأساطير، معتبرًا أن الخيال العلمي «أدب المستقبل»، وأن المملكة تملك طاقات كفيلة بإطلاقه عالميًا.
أسماء سعودية لمعت في أدب الخيال العلمي
في المشهد السعودي الثقافي برزت بعض الأسماء التي أثرت هذا المجال، ومن أبرزهم أشرف فقيه، صاحب رواية «رسم العدم» التي مزج فيها بين الخيال العلمي والفانتازيا التاريخية، وكذلك شيماء الشريف، التي فازت روايتها «أنصاف المجانين» بجائزة «ابن عربي» للأدب المترجم إلى الإسبانية، لتكون أول امرأة سعودية تحصد هذا التقدير، وقد تحوّلت الرواية لاحقًا إلى عمل درامي عُرض على منصات رقمية، محققة نجاحًا جماهيريًا.
الجمهور الثقافي يتوسع نحو قراءة «أدب الخيال العلمي»
لم تعد جهود الخيال العلمي في السعودية محصورة في نخبة من الكتّاب، بل بدأت تحظى بتفاعل واسع من قبل الجمهور واهتمام من المعارض والملتقيات الأدبية، ففي إحدى جلسات معرض الرياض الدولي للكتاب، نوقشت إمكانية تحويل روايات الخيال العلمي السعودية إلى سينما، وضرورة إيجاد جوائز متخصصة لتشجيع هذا النوع من الإبداع، وهو ما يواكب توجه المملكة نحو الاستثمار في الصناعات الإبداعية.
ويشهد الحراك الحالي في أدب الخيال العلمي السعودي نضوجا متسارعا لهذا الأدب، مدفوعًا بمبادرات حكومية وموهبة محلية، وتفاعل ثقافي واجتماعي، ما يفتح الطريق نحو بناء هوية خيالية سعودية توازي الحراك العلمي والتقني الذي تعيشه المملكة.