سلمان بن محمد العُمري
بالقدر الذي تحمله التعاملات الإلكترونية من تسهيلات، هناك في المقابل كوارث كبيرة تترتب على إساءة استخدامها، ومن ذلك وعلى سبيل المثال النصب والاحتيال، وكذلك اختراق الحسابات الخاصة رغم قوة التحصينات لدى المؤسسات المالية.
والتعاملات الحكومية هي الأخرى لم تسلم من عبث المجرمين والمحتالين وأصحاب النفوس الضعيفة، واستغلال جهل البعض بالنظام أو سوء استخدام التطبيق.
وقد وصلتني وجهة نظر تتضمن جملة من الملحوظات حول تلك المشكلات التي ربما تنذر بعواقب وخيمة، مما يتطلب البحث سريعاً عن حلول مناسبة لها، حيث يقول صاحبها:
«حينما صدر نظام التعاملات الالكترونية عام 1428هـ جاء في المادة الثالثة؛ يسري هذا النظام ويستثنى من أحكامه ما يلي:
1 - التعاملات المتعلقة بالأحوال الشخصية.
2 - إصدار الصكوك المتعلقة بالتصرفات الواردة على العقار ما لم يصدر من الجهة المسؤولة - (وهي وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات) - ما يسمح بإجرائها إلكترونياً وفق ضوابط تضعها تلك الجهات.
وفي المادة الرابعة: لا يلزم أي شخص بالتعامل الإلكتروني دون موافقته. فبناء على هذا النظام:
حين تريد التعامل الإلكتروني مع جهة معينة مثل البنوك تجد أنك ملزم بتوقيع اتفاقية قانونية تحملك كامل المسؤولية وتخلي مسؤولية البنك، ويُطلب منك التوقيع على تعهدات بأن رقم الجوال المستخدم هو الرقم الخاص بك وأن أي سوء استخدم لتقنية فإن المسؤولية تقع عليك مباشرة.
وعند رفض كبير السن ومن في حكمهم هذه التعاملات لجهلهم بها تجد أن النظام كفل لهم مطلق الحرية في الإشراف المباشر على حساباتهم بشكل شخصي دون تدخل الغير في خصوصيته.
وهذا بفضل الله ثم بفضل هذا النظام الذي صيغت أهم مواده بشكل قانوني يحمي الجميع، لكنك في الوقت نفسه تجد أن جهات قانونية ونظامية وشرعية تسمح بالدخول على تطبيقاتها وتنفيذ عمليات البيع والشراء والخلع والطلاق والوكالات وإصدار سندات تنفيذية مليارية دون ضوابط وضمانات تذكر، فأجد أنى أستطيع إصدار سند تنفيذي بمليارات الريالات دون شهود ولا ضمانات تذكر!، وأستطيع أن أطلق زوجتي برسالة جوال، وتستطيع الزوجة خلع زوجها دون حضور أي منهما!، واستطيع إصدار وكالة في غاية الخطورة عن طريق جهازي المحمول.
هذه التسهيلات التي ربما تخترق خصوصيتي، فحين يسمح الشخص لأولاده أو زوجته باستخدام هاتفه والدخول على بعض الخدمات الحكومية البسيطة لجهله في التعامل معها، وفي الوقت ذاته لم ولن يسمح بذلك في خصوصياتي الأسرية، وقد يكون المستخدم له أكثر من زوجه وعدد من الأولاد بينهم مشاحنات، وهذا في غاية الخطورة، وربما يتعرض رب الأسرة لأمراض أو فقدان للأهلية الشرعية بسبب كبر السن وتبقى هذه الخدمات الإلكترونية سارية المفعول في يد غيره.
علماً أنه لا يوجد لمستخدم هذه الخدمات أي اتفاق مع وزارة العدل يسمح لهم باستخدام حسابه في إصدار مثل هذه العمليات الخطيرة، وحين نعرف أن الطلاق والخلع وتشتيت الأسرة من الأشياء التي لا يحث الشرع عليها، وفي الوقت ذاته نرى التسهيلات العدلية لمثل هذه العملية عندها لا ينقضي العجب، حتى انتشر على ألسنة بعض الناس مؤخراً (طلقي زوجك بضغطة زر)، إضافة إلى أن هذه التسهيلات الخطيرة لا تتوافق مع نظام التعاملات الإلكترونية وضعفها قانونياً ونظامياً وشرعياً من عدة وجوه:
أولاً: أنه لا يمكن التأكد من شخصية طالب الخدمة ولا من أهليته المعتبرة شرعاً.
ثانياً: أن التعاملات المتعلقة بالأحوال الشخصية مستثناة من نظام التعاملات الإلكترونية.
ثالثاً: أنه لا يوجد اتفاق بين وزارة العدل والمستفيد (أو المتضرر) يسمح لوزارة العدل باستخدام حسابه في مثل هذه العمليات الإلكترونية الخطيرة، لأن وزارة العدل تعتمد في أنظمتها على منصة النفاذ الوطني الخاص بمركز المعلومات الوطني، وهي خدمة متقدمة مشكورة ومفيدة جداً سهلت على كثير من المراجعين إنجاز الأعمال عن بعد.
لكن السؤال.. هل هذه الخدمة مهيأة لاستخدام وزارة؟ وهل منصة النفاذ الوطني المقدمة من مركز المعلومات الوطني تشترط الأهلية الشرعية لمن يَنْفُذ خلال هذه المنصة، وإذا كان المستفيد لا يرغب في التعاملات الإلكترونية العدلية، وفق ما كفلته له المادة الرابعة من نظام التعاملات الالكترونية لأنه يجهل استخدامها ويجهل تبعاتها؛ فهل وزارة العدل توافق على رفضهم كبار السن ومن في حكمهم للوثائق التي تمت بدون علمهم؟ وهل يكون لهذه الوثائق قوة قانونية ونظامية وشرعية عند القدح في مصداقيتها؟ ومن يحمي حق القاصر عقلاً من هذه التعاملات الإلكترونية؟!».
كل هذه الأسئلة والاشكالات نتمنى أن نجد لها جواباً عند وزارة العدل، وعند وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات.