محمد بن يحيى القحطاني
أدب الفانتازيا، الذي يُستهزأ به غالبًا لكونه سطحيًا وهاربًا من الواقع، يُعدّ من أكثر أنواع الأدب الخيالي شيوعًا واستمرارًا في جميع أنحاء العالم.
وهو أيضًا مُحفّز للتفكير، ومُعقّد هيكليًا، وذو صلة بالمجتمع المعاصر.
تقول الأكاديمية سارازين سيف أهانا:
لا يزال الأدب الخيالي يُنظر إليه بازدراء من قِبل الأكاديميين والمجتمع الأدبي عمومًا، واستنادًا إلى روايات متناقلة، تكثر الشكاوى من هذا النوع الأدبي باعتباره «هروبًا محضًا من الواقع» و«طفوليًا» و«غير مثير للاهتمام». كما تُتهم المراجعات الأدبية أدب الخيال بأنه «تقليدي» و«منفصل عن الواقع» وحتى «قديم».
كما تُشير إلى افتقاره إلى القيمة الأدبية، واعتماده على الكليشيهات، وكونه متوقعًا.
لقد ادّعى الخيال «بقوة كبيرة» مكانةً خاصة في الأدب، فقد أصرّ على أنه قادر على اللا واقعية، وعلى الانفصال الخيالي بين النماذج الخيالية التي يبنيها والعالم الذي نختبره جميعًا.
وقد ثبت أيضًا أن هذا الادعاء لا أساس له من الصحة، لم ينجح أي إنسان في تخيل عالم خالٍ من الارتباط بعالمنا التجريبي.
كان الخيال من أوائل الأنواع السينمائية التي صُوِّرت في أوائل تسعينيات القرن التاسع عشر، أنتج مخترعون، مثل الأخوين لوميير الشهيرين والفنيين العاملين لدى توماس إديسون، لقطات قصيرة لا تتجاوز مدتها ثانية إلى ثلاث ثوانٍ، كانت هذه اللقطات عبارة عن مشاهد سريعة من الحياة الواقعية، ولم تكن تحمل أي محتوى فني يُذكر.
يقول المؤلف الأمريكي دوايت لونجنيكر:
إن وفرة أفلام الفانتازيا بمختلف أنواعها قد غذّت إنتاج المزيد من أدب الفانتازيا، وبينما يُعدّ الكثير مما يُنتج مجرد هراء، فإن الكثير غيره يتسم بالذكاء والخيال والعمق والجمال المذهل. ساهمت الأفلام في جعل أدب الفانتازيا للأطفال أكثر شعبية من أي وقت مضى، ويجادل مؤيدوها بأن الأطفال يستمتعون فعلاً بقراءة كتاب جيد نتيجة مشاهدتهم للفيلم.
وفي الأدب، لا يوجد حرس قديم يتنازعون مع الأفكار الجديدة والمتطورة حول الأفضلية، لأن في ذلك محرقة ومثارا للسخرية لمن اعتقد ذلك، فالخيال كائن حي ينمو في كل اتجاه، ولا حدود له أبدًا.
والفانتازيا هي أدب، يتضمن عناصر سحرية وخارقة للطبيعة لا وجود لها في العالم الحقيقي، مع أن بعض الكُتّاب يمزجون بين أجواء العالم الحقيقي وعناصر خيالية، إلا أن كثيرين منهم يبتكرون عوالم خيالية تمامًا بقوانينها الفيزيائية ومنطقها الخاص، ومجموعات من الأجناس والمخلوقات الخيالية، ولأن الفانتازيا بطبيعتها تخمينية، فهي لا ترتبط بالواقع أو بالحقائق العلمية.
وتعتبر الفنتازيا بمفهومها الواسع، هي أدب الخيال الواسع، وهي بدأت من الأساطير واستقرت في كتب الأدب والروايات، حتى تلقفتها السينما واعتنت بها، وحققت من ورائها مليارات الدولارات.
وتعتبر شركة مارفل للإنتاج، أبرز شركات الإنتاج السينمائي العالمي، التي تعتمد في المقام الأول على أفلام الأبطال الخارقين، وقصص الماورائيات، منتجة سلسلة من أفلام «Spider-Man» و«Venom» و«Iron Man» و«Hulk» و«Captain America» و«Thor» ونحوها، وتعتبر هذه الأفلام «سطحية» في تناولها للفنتازيا.
في نهاية كل عام، تطرح السينما العالمية أفلام رعب، وهي تحقق إيرادات عالية وتتصدر مشاهدات الجمهور، وهي تحظى بقبول كبير، مع رفض كثير من الناس لها، لكنها تتطور بأفكارها كل عام.
من الأبطال الخارقين مرورًا بأفلام الكوارث غير المنطقية وأفلام الزومبي ومصاصي الدماء والحيوانات الناطقة، وبأفلام ما قبل التاريخ، وحتى أفلام الكرتون والإنمي، كلها اندرجت تحت مسمى «فتتازيا».
لا يمكن أخذ رأي ونقد يسطح هذا الأدب الذي تحول إلى صناعة، على محمل الجد، إلا إذا كان معاصرًا لهذه التجربة، ولا بظني أننا في الوطن العربي مؤهلون لخوض هذا النقد إلا إذا وضعنا ذلك في سلّة «الناس أعداء ما جهلوا»، إذ لا نملك «ترف» إنتاج هذا الأدب والأفلام، لعدة أسباب أهمها القيود الدينية وتحرر خيال الكاتب والمنتج بلا سقف يذكر.
لقد قدم العالم لنا قصصًا رائعة من أدب الخيال العلمي، منها «Alice in Wonderland» و«The Lord of the Rings» و«Hogwarts» و«One Hundred Years of Solitude» و«Game of Thrones»، ولم يكن مستقبل الخيال يومًا واعدًا كما هو الآن، حتى سينما الأطفال حققت نجاحًا باهرًا مع هذا النوع من خلال عرض سلسلة «Harry Potter»، وغيرها.
الأعمال الفنتازية يمكن أن تكون سطحية أو عميقة، بحسب السياق والغرض من العمل، فبعض الأعمال الفنتازية قد تكون سطحية وتستخدم عناصر الخيال والفنتازيا لتحقيق غرض ترفيهي أو تجاري، وتفتقر إلى عمق في الشخصيات والقصة والسياق، وتكرر النمطيات والقوالب الجاهزة في الخيال والفنتازيا.
أما الأعمال الفنتازية العميقة، فتستخدم عناصر الخيال والفنتازيا لاستكشاف مواضيع فلسفية أو اجتماعية أو نفسية معقدة، وتتميز بعمق في الشخصيات والقصة والسياق، وتبتكر وتجدد النمطيات والقوالب الجاهزة في الخيال والفنتازيا، مثل «The Lord of the Rings» لج.ر.ر. تولكين، و«Harry Potter» لج.ك. رولينج، و«Game of Thrones» لجورج ر.ر. مارتن، و«الخيميائي» لباولو كويلو.
ومن المهم أن نلاحظ أن هذه التصنيفات ليست ذات ديمومة، ولا يمكن أن تكون مطلقة، حيث يمكن أن يكون العمل الفنتازي عميقًا في بعض الجوانب وسطحيًا في جوانب أخرى.
إن الخيال أداة قوية وحديثة ومفيدة لاستكشاف مواضيع شائعة وغير شائعة في الأدب، يمكن مناقشة قضايا شائكة ومعقدة، بعمق أكبر عندما تزيل قيود العالم الحقيقي وتضعها، بصورتها الخام، في عالم جديد.