م. سطام بن عبدالله آل سعد
في خضم التحديات التي تواجه الدول، من تغيّرات مناخية إلى أزمات اقتصادية متلاحقة، يبرز سؤال جوهري، أيهما الأهم؟ الاقتصاد بوصفه العمود الفقري للدولة، أم التنمية باعتبارها المحرّك الشامل للتقدّم؟ لا يمكن الإجابة عن هذا السؤال من زاوية ضيقة أو بسطحية عاطفية، بل يستوجب تفكيك العلاقة المركبة بين الاقتصاد والتنمية وإعادة تركيبها من منظور استراتيجي يراعي التشابك العميق بينهما.
الاقتصاد في جوهره يمثل منظومة إنتاج وتوزيع الموارد، وهو بلا شك العصب المادي الذي يغذي مؤسسات الدولة والمجتمع. لكنه، في غياب رؤية تنموية، يتحول إلى حركة رقمية بلا بوصلة، وقد يقود إلى تراكم الثروة في يد القلّة بدل توسيع قاعدة الرفاه. أما التنمية، فهي مشروع إنساني متكامل يسعى إلى تحسين نوعية الحياة، وتحقيق العدالة الاجتماعية، وتعزيز القدرات البشرية، ولا يمكنها أن تنمو في فراغ اقتصادي، لكنها كذلك لا تُختزل في مجرد أرقام الناتج المحلي.
من هذا المنظور، يصبح الاقتصاد أداة في يد التنمية لا العكس. التنمية الحقيقية لا تكتفي بتحريك الأسواق، بل تُعيد تعريف وظيفة الاقتصاد ليكون وسيلة لبناء الإنسان وتعزيز استقراره وتمكينه من التفاعل مع بيئته بشكل منتج ومستدام. في المقابل، لا يمكن للتنمية أن تتقدم دون اقتصاد متين، لكنها تتفوق عليه في الرتبة الاستراتيجية لأنها تحدد اتجاهه، وتضبط أولوياته، وتضمن شموليته.
النماذج التنموية الحديثة لم تعد ترى في النمو الاقتصادي غاية بحد ذاته، بل تُخضعه لمعادلات أوسع تتعلق بالاستدامة، والتوزيع العادل، وتحقيق التوازن بين الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والبيئية. لذلك، حين تغيب التنمية، يتحول الاقتصاد إلى سباق نمو أعمى، وأداة لصناعة الفجوات بدل ردمها. أما حين تكون التنمية هي المحرك، فإن الاقتصاد يُعاد توجيهه نحو الاستثمار في الإنسان والبيئة والحوكمة.
وعلى ضوء رؤية المملكة العربية السعودية 2030، يتضح أن التنمية ليست فقط أوسع من الاقتصاد، بل هي الإطار الذي يُعاد من خلاله تعريف الاقتصاد ليكون أكثر مرونة، وشمولية، واستدامة. لم تعد القوة الاقتصادية تُقاس فقط بحجم الناتج، بل بقدرة الاقتصاد على خلق فرص، واحتضان الابتكار، وتمكين الفئات المهمشة، وتحقيق الاستقلالية من الموارد الناضبة.
الخلاصة؛ الاقتصاد ضرورة، لكنه ليس القائد. التنمية هي التي ترسم الطريق وتختار الوجهة. الاقتصاد بلا تنمية أشبه بجسد قوي بلا عقل، أما التنمية فهي العقل الذي يدير الجسد، ويوجه حركته نحو بناء مستقبل متوازن، عادل، ومستدام. وفي زمن التحولات الكبرى، لم يعد كافياً أن نعرف ماذا ننتج؟ بل لماذا؟ ولمن؟ وكيف يمكن لهذا الإنتاج أن يخدم الإنسان أولاً، قبل أن يخدم الأسواق.