أجرى الحوار - عوض مانع القحطاني/ تصوير - عبدالله مسعود:
42 عاماً من العمل في جمع النباتات الطبية والعطرية أنفقها عالم من علماء المملكة، استطاع خلال عمله في جامعة الملك سعود وترؤسه للعديد من لجان حصر المواد العشبية في وزارة الصحة أن يحقق إنجازات كبيرة في معرفة الأعشاب التي يستفاد منها في العلاج.. وما هو سام من هذه الأعشاب..
ضيفنا في هذا اللقاء.. الأستاذ الدكتور جابر بن سالم بن موسى القحطاني عميد كلية الصيدلة رئيس قسم العقاقير، ومدير مركز أبحاث النباتات الطبية في جامعة الملك سعود سابقاً.. ورئيس لجنة تسجيل الأدوية العشبية والمستحضرات الصحية بوزارة الصحة سابقاً والمستشار غير المتفرغ في الإدارة العامة لمكافحة المخدرات سابقاً..
وقد تحدث عن رحلته وشغفه بهذه النباتات ومسيرته التعليمية والعملية.. نص الحوار:
* كيف كانت النشأة؟
- أنا نشأت في قرية ريفية في إحدى قرى تمنية قرى آل علي التابعة لمحافظة أحد رفيدة بمنطقة عسير، حيث ولدت في حرب القهر عام 1360هـ وقد عشنا في هذه القرية، كانت الحياة فيها بسيطة وسكانها يعملون في مجال الزراعة وتربية الأغنام، وقد توفيت والدتي- رحمها الله-، وكان عمري 5 سنوات، وبعد وفاة والدتي ضاق الحال بوالدي وقرر أن نغادر القرية وذهب بنا إلى مدينة أبها لطلب الرزق ولوجود المدارس فيها، وكان والدي يجيد القراءة والكتابة عن طريق مدارس الكتاتيب في ذلك الوقت، وقد كان عدد أبنائه أربعة أبناء وبنتا واحدة، وبعد استقرارنا في أبها وجد والدي وظيفة مؤذن في أحد المساجد.
* صف لنا مراحل التعليم.. كيف سارت؟
- ألحقنا والدي بالمدرسة السعودية حيث لم يكن يتوفر في مدينة أبها في ذلك الحين سواء هذه المدرسة، درست المرحلة الابتدائية في هذه المدرسة، وكانت الدراسة في ذلك الزمن صعبة جداً لأنه كان هناك اختبارات تحريرية وشفوية، وكانت تشرف علينا في الامتحانات الشفوية لجنة مكونة من رئيس محكمة أبها ورئيس البلدية ومدير المدرسة العسكرية في أبها، وقد اجتزت الاختبار وانتقلت إلى المرحلة المتوسطة، وأنا في ثالث متوسط ودرست أولى ثانوي ونجحت أنا واثنين من زملائي، والباقون رسبوا، بعدها تم إغلاق الثانوية للسنة الثانية والثالثة لعدم توفر الطلاب لهذه المراحل، والسبب أنه تم افتتاح المدرسة العسكرية والمعاهد العلمية ومعاهد المعلمين خلال سنة واحدة، فاتجه معظم الطلاب لهذه المدارس لأنها كانت تعطي رواتب، وتم توجيهنا إلى محافظة جدة لإكمال المرحلة الثانوية، وكنت أول مرة أركب الطائرة والتحقنا بمدرسة الفلاح، وكانت مدرسة نموذجية وشديدة، وفيها معلمون أكفاء وتحولت بعدها إلى مدينة أبها لإكمال الثانوية العامة بحكم أنه تم افتتاح فصول جديدة..
وقد تم اختبارنا في جدة في المعهد الصناعي، والتحقت بعدها في جامعة الرياض المسماة حالياً جامعة الملك سعود، وكنت أرغب الالتحاق بالطب ولكن لم يكن هناك طب.. وقررت الالتحاق بكلية الصيدلة واستمررت فيها خمس سنوات، وتخرجت عام 1967م وتعينت معيدا في كلية الصيدلة، وسافرت إلى بريطانيا لدراسة الماجستير والدكتوراه وكانت رسالتي في العقاقير الطبية والنباتات العشبية، وهي في 4 نباتات تم اختيارها من أعشاب وغابات بريطانيا.
* تتذكر أول هدية تلقيتها وأنت تدرس في المرحلة الابتدائية؟
- زارنا في المدرسة مفتش من أصل تركي، وقال لنا من منكم يعرف يكتب اللؤلؤة.. فقد كتبتها فقام وأخرج قلمه من جيبه (باركر) وقدمه لي.. كما زارنا في المدرسة الأستاذ محمد الحميد رئيس النادي الأدبي وعضو مجلس الشورى -رحمه الله-، وقدم لي هدية لن أنساها.
* هل واجهتك مصاعب في حياتك الدراسية؟
- نعم، واجهتني تحديات ومصاعب، وكانت الحياة خاصة عندما ندرس المراحل الابتدائية والمتوسطة والثانوية شحيحة، وفي المرحلة الجامعية ودراسة الماجستير والدكتوراه تحسنت أمورنا المادية، ولكن الدراسة في مثل هذه التخصصات الدقيقة كانت تواجهنا بعض المصاعب ولكن بالعزيمة وحبنا لهذا التخصص تجاوزنا هذه المصاعب.
* بعد حصولكم على الدكتوراه.. كيف سارت مراحل العمل؟
- بعد عودتي من بريطانيا تعينت في الجامعة في قسم العقاقير على وظيفة محاضر، وبعد سنة تم تحويلي إلى أستاذ مساعد ثم أستاذ مشارك ثم أستاذ، بعد ذلك تم اختياري عميد كلية الصيدلة والعقاقير في الجامعة.
* هل تم رصد الأعشاب المفيدة والضارة على مستوى المملكة؟ وما الفرق بين الأعشاب في الداخل والخارج؟.
- بعد ما رجعت من البعثة وعدت من البعثة وعدت إلى المملكة كان عميد كلية الصيدلة في ذلك الوقت د. عبدالكريم الصويغ، وكان هناك شخص آخر متخصص كيمياء طرحوا مشروعا لتسجيل النباتات في المملكة، وتم اختيار لجان لهذا المشروع ومكثوا سنتين ولم ير النور لعدم وجود باحثين كبار يعملون عليه فتم إيقاف المشروع، وعندما عدت طرحت على د. الصويغ إحياء هذا المشروع فتمت الموافقة وتم تشكيل لجان لمسح هذه (الأدوية العشبية) وتم تأسيس لجنة الأدوية العشبية.. مكونة من قسم العقاقير في الجامعة ومن يرغب من أقسام الجامعة ومن صيدلي مصري ود. محمد اليحيا -رحمه الله-، د. إبراهيم المشعل عضو مجلس الشورى، خاصة أنهم عادوا من بريطانيا ومتخصصون في العقاقير، وعندما تم انتقال جامعة الرياض إلى مبناها الجديد في الدرعية وطلبنا من عميد كلية الصيدلة إنشاء حديقة عامة تحتوي على جميع نباتات المملكة الطبية داخل مباني الجامعة وحديقة حيوان كبيرة لكل أنواع الحيوانات التي نحتاج عمل تجارب عليها لتحليل النباتات داخل الكلية العطرية والسامة وإنشاء معصرة يتم عصر الأعشاب التي يتم الحصول عليها من جميع مناطق المملكة.
وقد تم تأمين هذه المتطلبات، وهي اليوم نموذج، وتم عقد شراكة مع إحدى الجامعات الأمريكية المتخصصة في مجال الأبحاث، وتم استقطاب الأجهزة الحديثة في مجال التدريب وإلقاء محاضرات داخل المملكة، وفي الجامعات الأمريكية قام فريق علمي بزيارة عموم مناطق المملكة لعمل تصنيف لهذه النباتات الطبية وغير الطبية.
* هل تم رصد أعداد هذه النباتات؟
- نعم، تم عمل موسوعة كبيرة تحتوي على جميع أصناف هذه الأعشاب وفائدتها ومضارها من الأعشاب البرية في المملكة وقد استغرق جمع هذه النباتات 25 عاماً وحصلنا على أكثر من عشرة آلاف استخرج منها 400 نبات فيها فائدة طبية 100 %.
* هناك أشخاص يعملون في مجال الطب الشعبي.. كيف ترون سلبيات وإيجابيات هذا العمل؟
- عندما عين معالي وزير الصحة في ذلك الوقت د. غازي القصيبي فطلب من مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم أن تتبنى مشروع عن سلبيات وإيجابيات الطب الشعبي في المملكة، وأخذ رأي حول فكرة هذا المشروع ومدى تنفيذه من خلال القيام بمسح شامل على محلات العطارة وأوضاع المعالجين الشعبيين في المملكة والبدو الرحل والرعاة ومحلات الكي والحجامة والجبارة، وبالفعل تم تشكيل فريق من 12 شخصا للقيام بهذا المشروع العلمي الشامل بحث تتولى كلية الصيدلة مهمة دراسة هذه الأعشاب والمشتقات الحيوانية والمياه المعدنية ولجان أخرى يتولون دراسة موضوع الحجامة والكسور والمعالجين الشعبيين، ومدة المشروع 5 سنوات وخلصنا إلى 3000 وصفة بين مفردة ومركبة، وتم إخضاعها للمعامل المخبرية وخرجنا من هذ المسح بـ (3120) نوعا التي أعطت فاعلية، ولكن مع الأسف بأن سوء التخزين هو من أسباب عدم صلاحية بعض هذه المواد؛ حيث انعدمت الفاعلية في هذه المواد واستفدنا من هذا المسح في المملكة حيث استطعنا تصنيف هذه النباتات ومسمياتها العلمية وهذا الكم الهائل من هذه النباتات تم توثيقها في كتابي الذي سميته (أعشاب الموت) بالإضافة إلى قصص من الواقع لأشخاص فقدوا حياتهم بسبب الوصفات الشعبية بعد تحليل هذه الحالات وجد أنهم تلقوا علاجهم على يد معالجين شعبيين.
ومع الأسف لا زالوا حالياً يمارسون دورهم في علاج الناس دون إدراكهم للمخاطر التي يرتكبونها في وصفات أعشاب قد تكون سمية وضارة.
* كم كان عدد الطلاب في كلية الصيدلة في ذلك الزمن؟
- أثناء دراستي في الكلية كان عدد الطلاب 12 طالبا، وهي أكبر دفعة تخرجت والدفعات التي سبقتنا كان هناك ما بين 3 إلى 4 إلى 7 طلاب فقط.. والآن كليات الصيدلة بالمئات في الجامعات السعودية، وهناك المختبرات التي تمتلك أحدث الأجهزة البحثية وهي نقلة نوعية.
* أين تجدون الأعشاب ذات الفائدة في مناطق المملكة؟
- الأعشاب الموجودة في المملكة أغلبها موجودة في أنحاء العالم.. لكن بعض المناطق تفتقر إلى نباتات معينة مثل النباتات الصحراوية عندنا في المملكة تعتبر نادرة وغالباً النباتات العشبية تجد استيطانها حول البحر الأبيض المتوسط.
* هناك نباتان سميت باسمكم.. حدثنا عن هذين النباتين. ما هما؟
- عندما كنا نجمع النباتات الطبية كان هناك نباتان لابد من أخذها إلى لندن للتعرف على مسماها العلمي، وبالفعل أخذت عينة وذهبت بها إلى مختبرات في لندن.. النبات الأول يقال له (ذنبان) تعيش في الرياض والثاني (الجير) وموطنه في الجنوب وقد أطلق الاسم العلمي على الأول (ذنبان جابريكا والثاني الجيريورب جابريكا) ولها فوائد كبيرة في علاج الحساسية وتعتبر من أفضل العلاجات لهذا المرض، ولدينا في معشبة الكلية حالياً ما لا يقل من 5000 نبات من جميع نباتات المملكة.
* هل تؤيدون إنشاء بنك للأعشاب؟
- نعم، وهناك في جميع أنحاء العالم معشبة للنباتات الطبية فائدتها وأضرارها وهذه المعشبة هي لحفظ النباتات وعدم انقراضها.
* هل تؤيد تسويق الأعشاب المفيدة؟
- عندما كنت في وزارة الصحة سجلنا ما يقارب من 1580 عشب مقنن حيث تردنا مستحضرات عشبية من الخارج فإذا وجدنا أنه مكتمل من حيث معايير ومواصفات المملكة تم تسجيله والسماح به بحيث إن هذا المستحضر لا يزيد عن 5 أعشاب لأنه يحصل مصائب إذا زاد عن ذلك..
وهيئة الغذاء والدواء لدينا ما يقارب من 3000 مستحضر تباع في الصيدليات وأماكن التجميل وعليها رقابة شديدة.
* ما هو الفرق بين الطب البديل والطب الحديث؟
- الطب البديل هو مبني على الإرث الذي تعارف عليه الأجداد والأسلاف في مجال الكي والحجامة، وأكل بعض النباتات منذ أن خلقت الأرض بينما الطب الحديث مبني على دراسات علمية مقننة وقد ألفت كتاب وأسميته (الطب المكمل) وهناك اهتمام بالنوعين من قبل الأطباء في دول العالم.
* ما صحة ما يتداول حول أضرار الخبز على صحة الإنسان وخاصة أصحاب مرض السكر؟
- الخبز منذ أن خلقت الأرض وهو أكل البشرية يعتمدون على الحبوب ولكن الاعتدال في الأكل هو المطلوب إن أحسنت استخدامه فهو مفيد، وإن أسرفت في استخدامه فهو ضار الذي طرأ على مواد الحبوب هو الإضافات من الخمائر ومشاكل الإضافات التي تخلط على الحبوب فمثلاً الرز والقمح والشعير والعدس والدخن والشوفان كانوا يأكلونها مليئة بالفوائد ولكن إذا أسرفت فيها فإن لها أضرارا خاصة مرضى السكر.. وإنني أنصح بعدم إضافة القمح الأبيض الاسترالي والإماراتي لأن فيها بلاوي على صحة الإنسان..
* ماذا عن أكل الشحوم واللحوم.. هل لها أضرار على صحة الإنسان؟
- أبداً، فيها فائدة وتؤكل كما أشرت سابقاً بالاعتدال وليس لها أضرار على صحة الإنسان لأن اللحوم فيها بروتينات إذا زادت عن الحد المسموح به يحدث عند الإنسان مرض النقرس وأمراض أخرى والسمن البقري والغنم كل منه إذا كان جسمك صحيحا.
المشكلة في الزيوت المهدرجة.
* كيف ترى النقلة الحضارية في المملكة؟
- هذه نقلة سريعة وشاملة لكل مناحي الحياة، هناك من يتمارون بهذه النقلة وما يقدم للمواطن ولم تحدث بهذه السرعة في أي بلد.
* كيف تنظرون إلى رؤية المملكة وأثرها على الأجيال القادمة؟
- لا أصدق بما حدث في هذه الفترة الوجيزة من خلال هذه الرؤية، فهناك نقلة نوعية، وهناك متابعة قوية من ولي العهد لمتابعة هذه الرؤية ونحن ندعو لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان وولي عهده الأمير محمد بن سلمان بالتوفيق والسداد.
* كيف ترى اللحمة في هذه البلاد؟
- لحمتنا جاءت من حبنا لقيادتنا منذ أن توحدت هذه البلاد، وحبنا لوطننا وأصبحنا إخوانا من الشرق إلى الغرب إلى الجنوب إلى الشمال نعيش كأسرة واحدة.. وعلينا أن نلتف حول قيادتنا وحول وطننا حتى تستمر هذه اللحمة إلى يوم القيامة.
* كيف ترى مستقبل السياحة لدينا في المملكة؟
- في الآونة الأخيرة لمسنا هذه الجهود من خلال مشاريع ترفيهية متنوعة، ومن خلال تطوير المناطق السياحية والحفاظ على تراثنا والمناطق الأثرية في مختلف مناطق المملكة.
وأصبح هناك أماكن لم نكن نعرفها من قبل والآن أصبحت وجهة سياحية.
* هل أنت متفائل بنجاح السياحة خاصة في منطقة عسير؟
- نعم، مشاريع قمم وشيم سيكون لها شأن في عسير.
* هل تؤيد الاستفادة من خبرات المتقاعدين؟
- بكل تأكيد أنا من يوم تقاعدت من حوالي 20 سنة ألفت ما يقارب من (15) كتابا ولم أشعر أن عندي فراغا.
* أين تكمن المتعة بعد التقاعد؟
- تكمن في العمل وإشغال يومك.
* ما هو الشيء الذي تمنيت أنك تقدمه قبل التقاعد؟
- كان لدي مشروع كبير تقدمت به لأمير عسير في ذلك الوقت الأمير فيصل بن خالد، وهو إنشاء حديقة نباتية في منطقة عسير لحفظ النباتات الطبية والعطرية قبل أن تنقرض وأنشأ معصبة لبيع هذه النباتات، وقد تمت الموافقة على تخصيص أرض مساحتها 80 ألف متر وسلم الموضوع لهيئة السياحة في منطقة عسير ولا زالت هذه الفكرة لديهم أتمنى العمل عليها.
* ما هو العمل الذي تعتز وتفتخر أنك أنجزته؟
- هو تخريجي لآلاف الطلاب من الجامعة في علوم الصيدلة والعقاقير، وأفتخر أن معظم هؤلاء الطلاب في الجامعة أطلقوا علي مسمى أبو الصيادلة، وهذا شيء أفتخر به، والشيء الآخر تأسيسي حديقة جامعة الملك سعود للنباتات ومركز أبحاث العقاقير وتأليف ما يقارب من 35 كتابا.
* من هو مثلك الأعلى في هذه الحياة؟
- والدي -رحمه الله-.
* ماذا أعطاك الوطن؟
- أعطاني كل شيء، وعلمني وصرف علي، ولن أنسى ذلك ما دمت حياً.