رقية سليمان الهويريني
أحياناً يتم اختزال الأمن الروحي بأنه المناقض للخوف النفسي المرادف للقلق؛ حيث يتم ربط غيابه باضطرابات الحياة النفسية، وأن افتقاد الشخص للأمن الروحي بسبب بعده عن تعاليم الإسلام الذي يحقق له الاندماج والتحصين أمام الأمراض النفسية المختلفة! وهذا التعريف لا يعدو عن معنى الطمأنينة والهدوء، وليس الأمن الروحي بمعناه الشامل!
ولذا لا يمكن تأطير مفهوم الأمن الروحي وتحديد مفهومه إجرائياً، سيما وأنه يتم توظيفه لأغراض سياسية؛ برغم أن مفهومه الاصطلاحي غاية في النقاء!
ويحيط مفهوم الأمن الروحي الغموض أحياناً بسبب إقحامه في سياق الضبط الاجتماعي عند التعامل مع سلوكيات بعض المذاهب المختلفة والطوائف المتعددة، والديانات الأخرى كالمسيحية واليهودية وما سواهما، حيث يتم تهميش الآخر أو يعمد لخرق حرية اعتقاده والاستهانة بفكره وحقه بممارسة الحريات التي كفلتها الدولة وضمنتها المواطنة.
فالحرية الفكرية جزء من الأمن الروحي الذي لا يتعارض مع سيادة الدول وخصوصية المجتمع! وهنا يكون قد جمع بين (أمن الدولة) و(أمن الشعب).
إن التعددية الفكرية وقبول الآخر المختلف يفضي لتخفيف الاحتقان في المجتمعات بدلاً من فرض منهج واحد ولون وحيد ـ من أقليةٍ على الجميع ـ في نسيج المجتمع الذي أوجده الله متعدد الأشكال، مختلف الألوان منذ زمن بعيد.
والأمن الروحي يتعلق بتحقيق مطالب وطنية حقوقية تدخل في إطار قانوني تضمنها الدول لجميع المواطنين الذين يرغبون ويعملون من أجل تفعيل تلك المطالب بدون أن يؤدي الحصول عليها إلى إحداث زوبعة اجتماعية أو زعزعة نفسية أو صراعات فكرية فيما بينهم، ويمكن أن تكون هذه المطالب فرصة للتعايش في الاختلاف ضمن وطن موحد ومجتمع متماسك.
وحين نتفق ألا نُكرِهَ أحداً على اتباع أفكارنا وتبنّي قناعاتنا تحت مبدأ التعددية والحرية الفكرية نكون حينئذ حققنا الأمن الروحي في العالم، وهذا هو المنشود!