م.عبدالمحسن بن عبدالله الماضي
1 - المشاعر هي التي توقد شعلة التفكير، ومنها تنتج الأفكار بأنواعها واتجاهاتها وحِدَّتها أو نعومتها، هي التي تظهر مواهبنا وتبرز قدراتنا، وتحدد مدى تجلدنا وصبرنا والتزامنا.. أفكارنا هي التي تُجَيِّش مشاعرنا أو تثبطها، هي التي تحركنا للأمام أو تلغي الفكرة بكاملها.. وبقدر ما أن مشاعرنا هي التي تنتج أفكارنا فهي أيضاً التي تحدد اتجاهها وسرعتها وقوتها وشموليتها ومداها وتحررها من كل ارتباط، وبالتالي فلها التأثير الأكبر في نجاحنا أو فشلنا.. مشاعرنا هي في الحقيقة شخصيتنا.
2 - المشاعر يمكن أن تكون مزعجة أو كريهة أو سلبية أو إيجابية أو قوية أو رخوة أو غاضبة أو بائسة أو قلقة أو متوجسة أو نافرة أو آسية حزينة، أو واقعية أو شاطحة أو متواضعة أو طموحة.. إلخ.. فكل السمات الإنسانية الممكنة هي في حقيقتها صفات للمشاعر ليس إلا.. هذه المشاعر تتحول وفق تلك الصفات السابقة إلى أفكار ثم إلى قرارات ثم إلى خطوات تنفيذية ثم تصبح أجزاءً من حياة الشخص وتحدد مدى نجاحه من فشله.. المشاعر هي أخطر ما يحتويه الإنسان، فقد تكون منبع راحة أو قد تكون قنبلة تفجر النفس والمحيط.
3 - هل المشاعر هي التي تثير التفكير وبالتالي تخلق الأفكار، أم أن التفكير هو الذي يحرك المشاعر وبالتالي تتشكل الأفكار؟ بمعنى هل المشاعر هي المصدر الباعث للتفكير ومنها تتولد الأفكار أم أن التفكير هو الذي يحرك المشاعر ولا يكون لها سوى التأثير على الأفكار الناتجة في تحديد السرعة والاتجاه فقط لا غير؟ هناك من يرى أن هذا السؤال لا يختلف كثيراً عن أيهما الأول البيضة أم الدجاجة، سؤال بيزنطي فوضوي لا فائدة منه.. الحقيقة أن سؤال المشاعر والأفكار سؤال خطير ومهم والإجابة عنه له دور حاسم في التأثير على حياة الإنسان ومدى نجاحه أو فشله.
4 - مشكلة الإنسان أنه يتعامل وبشكل تلقائي مع المشاعر وبالذات إذا كانت مؤلمة أو تم تربيته على أنها مشاعر خاطئة بالقمع والكبت والدفن، وننسى أن الذي نقمعه وندفنه ليست مشاعر بل أفكار، والأفكار لا يمكن دفنها لأنها سوف تخرج على شكل أفكار أخرى تظهر في لحظات ردات الفعل الفجائية التي لم نحسب لها حساباً.
5 - هناك من يرى إن الإبداع والأفكار الإبداعية المبتكرة هي إما وليدة الحاجة أو وليدة المشاعر المتطرفة سواء كانت أفكاراً إيجابية أو سلبية.. أي أن الأفكار والإبداع والمواهب والمهارات لا تظهر إلا في حالة توهج المشاعر، هذا التوهج ليس بالضرورة أن يكون إيجابياً بل إن أي توهج في المشاعر سوف يحرر الأفكار والإبداعات ويخرجها من الصندوق المحتجزة فيه.. ويرى مفكرون آخرون أن المشاعر السلبية لا تنتج إلا أفكاراً سلبية هدامة أو إقصائية أو انعزالية وهذا ليس إبداعاً بل هروب، وأن المشاعر الإيجابية هي التي تنتج الأفكار الإبداعية الجاذبة النافعة لكل الناس، فالأفكار السلبية ما هي سوى قيود ذاتية تعوق التفكير السليم وإيجاد الحلول الإبداعية وتطريزها بالجمال.
6 - تأثير المشاعر يتخطى أثرها الصحي على الجسد، وأثرها المعنوي على النفس، وأثرها العقلي على التفكير وإنتاج الأفكار، وتصل إلى التأثير في صنع القرار واتخاذه.. فإذا كانت مشاعرنا سلبية غارقة باللامبالاة والأسى والخوف فهذا يشتت التركيز وتجعلنا نميل إلى السلبية بتعطيل ملكة التفكير، ويصبح من السهل علينا أن نهمل أو ندعي عدم المعرفة ونتجنب المحاولة وإبداء التشكك في كل فكرة، ومنع كل محاولة للإبداع بداعي عدم الفائدة أو أن الوقت أو المكان غير مناسبين.. إلخ.