د. طارق بن محمد بن حزام
لا تخلو الحياة من المضايقات، بل لعلها مُنِحَت للإنسان كي يختبر سعة صبره وقوة تحمله. لذا، يجد المرء نفسه مُجبَرًا على تحمل المزعجين في وسطه العائلي أو مقر عمله، بل وأينما اضطرته الحياة إلى إنشاء علاقات اجتماعية.
وعلى عكس الأشياء التي يمكنك التخلّص منها، كحذاءٍ مزعجٍ أو أريكةٍ غير مريحة، هناك أشخاص قد تضطر إلى مواصلة الحياة معهم، فإما أن تعيش في عزلة، أو تستثمر خصوماتهم ومضايقاتهم كوسيلة لمعرفة ذاتك وتقويم نفسك.
كيف ذلك؟
هذا ما نقترحه، وكما قيل: «أسوأ عدوٍّ، أفضلُ معلم».
العدو ببساطة ليس صديقًا، لأنه شخص يعارض مصالحك ومقاصدك، لكن يمكن الاستفادة منه كوسيلة تمنحنا الفرص، وتساعد على تقييم ذواتنا وتطويرها. لذا، عندما تواجه في الحياة خصومك، فهي فرصة سانحة لتقوية صبرك، وزيادة قوة تحمّلك، ومعرفة خصمك، وبذلك يصبح الخصم معلّمًا لنا.
أنواع الأعداء وكيفية التعامل معهم
ينبغي أولًا تحديد نوع العدو الذي تواجهه. وهنا نضع بين يديك أربعة أصناف قد تهدد وجودك، مع كيفية التعامل معها:
1 - الخصم المادي: وهو الذي يسبب لك الإرهاق، ويهدد مواردك بالخسارة، ويعرّض سلامتك الجسدية للخطر. وهذا الصنف لا يمكن القضاء عليه كليًا، لأننا بذلك نهدد نظام حياتنا بالكامل، ولكن يمكن التعايش معه عبر محاولة فهمه، ودراسة بيئته، والتخطيط لتقليل تأثيره السلبي قدر الإمكان.
2 - الخصم الوجداني: وهو الذي يسبب لك آلامًا عاطفية، ويجرح مشاعرك، ويفكك علاقاتك. أما مواجهته فتبدأ بتطوير مهارات التعامل مع الانفعالات، حيث إن الغضب شكلٌ من أشكال الجنون، يخرج الإنسان عن طبيعته، فيتكلم بكلامٍ فاحشٍ، أو يتصرف بظلم. ولذلك، أوصى النبي صلى الله عليه وسلم الرجل الذي سأله النصيحة بقوله: «لا تغضب» (رواه البخاري ومسلم).
لذا، فإن أفضل طريقة للتغلب على هذا النوع من الخصوم هي تأخير الغضب، وقد لا نجني الثمار المرجوة بسرعة، ولكن مع الوقت سنقطفها
3 - الخصم الإبداعي: وهو الذي يسلبك حريتك في التعبير، ويزرع الشك والإحباط تجاه مبادراتك، ويحدّ من قدرتك على التميّز. وأفضل طريقة لمواجهته هي مواصلة طرح أفكارك بطرقٍ إبداعية، والبحث عن أساليب جديدة تتجاوز بها تصلّبه.
4 - الخصم الفكري: وهو أخطرهم، لأنه يهدد معتقداتك ونظرتك للعالم، ويستهدف معرفتك وأفكارك، ليزعزع ثقتك في معايير الصواب والخطأ لديك. وهذا النوع من الخصوم يتطلب فهم طريقة تفكيره، ومعرفة أساليبه في الخداع، لاكتساب مناعة ذاتية ضده.
وإذا لم تستطع مواجهته، فابتعد عنه كما تفرّ من الأسد.
كيف تستفيد من خصومك؟
عندما نفكر بإيجابية، نجد أن هؤلاء الخصوم يمنحوننا أربع خصال تجعلنا أقوى وتساهم في نجاحنا:
1 - الوضوح: فالخصم يجعلك أكثر إدراكًا لذاتك، وقدراتك، وما أنت مستعد للدفاع عنه. إنه يجعلك ترى أولوياتك ورؤاك بوضوح.
2 - الارتباط: حيث إن الخصم يعمّق فهمك للعلاقات، ويعزز قدرتك على التفاعل مع الآخرين، مما يهيئك لمواجهة العالم بانفتاحٍ أكبر.
3 - القوة: فمواجهة خصمك تزيدك صلابة، وتدفعك إلى البحث عن أفضل الطرق والأساليب للتعامل مع التحديات، مما يكشف عن ثروتك الداخلية، ويوقظ العملاق الكامن في داخلك!
4 - السلام الداخلي: أحيانًا، تكون أسوأ الأشياء التي تحدث لنا هي أفضلها على الإطلاق، بفضل الدروس التي نتعلمها من خصومنا، والتي تمنحنا فرصةً للوصول إلى السلام الداخلي، ومواجهة الأمور التي كنا نؤجلها أو نخشى الاقتراب منها.
في قصة موسى والخضر، عندما قتل الخضر الغلام وخرق السفينة، كانت هناك سلامةٌ لم يدركها موسى عليه السلام في حينها، ولكنها كانت حكمةً إلهيةً عظيمة. وهذا يُعطينا منهجيةً ذكيةً في التعامل مع الأعداء المحتملين، وتحديد درجة التهديد الذي يشكلونه، واستثمار ذلك في تصحيح ذواتنا، وتعزيز فهمنا للعالم، وإيقاظ القوى الكامنة التي تدفعنا نحو النجاح.
في الختام:
«من لم تكن له بدايةٌ محرقة، لم تكن له نهايةٌ مشرقة»!