رائد محمد آل شهاب
يرجع تاريخ البحث في العصور القديمة إلى توصّل المصريين القدماء، والرومان، واليونانيون الإغريق، والبابليون إلى المعرفة بطريقتهم الخاصّة؛ حيث تمكَّنوا من معرفة علم التحنيط، والهندسة، والجغرافيا، والفيزياء، والطب، والحساب، والفلك، وغيرها الكثير. أمّا الحضارة اليونانية فاعتمدت أسلوب التأمل والنظر العقلي المجرد.
تعود فترة العصور الوسطى إلى الحضارة العربية الإسلامية وفترة عصر النهضة في أوروبا، حيث استفاد العرب من النتائج التي توصَّلت إليها حضارات العالم القديم، وأضافوا إليها كمّاً هائلاً من المعرفة التي نقلوها فيما بعد إلى أوروبا، والتي اعتبرت نقطة انطلاق ازدهار الحضارة الأوروبية.
ثم بدأت فترة العصر الحديث من القرن السابع عشر للميلاد، الذي يُعتبر القرن الذهبي في البحث العلمي وحتى الوقت الحالي. فظهور مراكز البحوث والدراسات في الولايات المتحدة الأمريكية تجسد بلا شك جزءاً كبيراً من العصر الحديث الذي ظهر في النصف الثاني من القرن التاسع عشر حسب ما ذكره James Smith في كتابه «عن أصول مراكز البحوث»، حيث يعود ظهورها إلى تأسيس «تجمع الإصلاحيين» في ماساتشوستن عام 1865 الذين أقدموا فيما بعد إلى تأسيس «جمعية العلوم الاجتماعية الأمريكية»، من زاوية أخرى فإن Patrisha Lendin المتخصصة في مراكز البحوث. إن نشأتها يعود بها إلى تأسيس «المؤتمر القومي للنشاط الاجتماعي» عام 1873، وتعد مؤسسة خيرية تهتم بالقضايا الاجتماعية كالتعليم ومكافحة الفقر وغيرها من القضايا.
مع مطلع القرن العشرين وصل عدد مراكز البحوث في الولايات المتحدة الأمريكية إلى 1,200 مركز بحثي مهمته بالسياسة الخارجية الأمريكية، وكانت هذه المراكز منتسبة إلى جهات مختلفة منها للجامعات كمؤسسة بحوث الشرق الأوسط في جامعة كولومبيا، وتابعة للحزبين الرئيسيين مثل معهد بروكنجر التابع للحزب الديموقراطي، ومؤسسة التراث «Heritage Foundation» التابعة للحزب الجمهوري. وهناك مراكز تابعة لهيئات حكومية مثل جامعة الدفاع الوطني
National Defense University، ومجلس العلاقات الخارجية «Council on Foreign Relations» المرتبط بالسياسة الخارجية الأمريكية.
في ذات الصدد ازداد عدد مراكز الأبحاث في الولايات المتحدة فهي تمتلك ما يقارب 2,203 مركز بحثي وما يقارب 90 % منها أسست منذ عام 1951، أما البقية تم تأسيسها بين عام 1970- 1992م.
لذلك تعد مراكز الأبحاث علامة فارقة للمجتمع الأمريكي لما لها تأثير كبير في كافة النواحي، وكانت نهاية الحرب العالمية الثانية «1939 - 1945» الانطلاقة الحقيقة لمراكز الأبحاث لتأثيرها المباشر على السياسة الخارجية ولاسيما في مواجهتها للاتحاد السوفيتي خلال الحرب الباردة وتم دعم هذا المراكز بشكل كبير من الناحية المادية.
مما لاشك فيه أن هذه المراكز هي من الركائز الأساسية في الولايات المتحدة الأمريكية حيث تعمل على استقطاب العلماء والدبلوماسيين والمحللين والباحثين والمخططين الاستراتيجيين والاقتصاديين وغيرهم، وتأثيرها في جانب المعرفة والتفكير بما تقدمة من أنشطة علمية في مجال البحوث والدراسات والمشاركة في المؤتمرات والندوات، فضلاً عن نشرها للبحوث في أشهر الصحف والمجلات الأمريكية والتي تحظى بأهمية كبيرة لتناولها أبحاث أكاديمية تتعلق بمختلف المشكلات الداخلية والخارجية لدول معينة.
فإذا ركزنا بشكل سريع، نلاحظ أن الولايات المتحدة طورت وخلقت كماً كبيراً من المراكز الدراسية والبحثية في مجالات متعددة مرتكزة بقواعد بيانات العصور القديمة والوسطى. وهذا من أهم العوامل التي يجعلها تتربع على عرش القيادة العالمية لعقود عديدة.
قد يقول البعض إنها مجرد أبحاث ورقية ليست ذات شأن عظيم، ولكن الحقيقة أكبر من هذا بكثير. دعونا نأخذ جانباً واحداً من بين الألف من الجوانب.
في عام 1999 كنت في إحدى الحصص الجامعية ب The University of Alabama دار حديث بين الدكتور الأمريكي وزميلي من دولة الكويت، عن الحضارات والتراث والحرف اليدوية، ثم سئل الدكتور زميلي، «ماذا يوجد لديكم في الكويت؟» فأجاب بأشياء متعددة تحمل مواضيع عن الحرف القديمة، ثم ختم الحديث «بأنها يوجد لدينا مطاعم مثل مطاعم هنا وهو يشير إلى سلسلة مطاعم McDonalds الشهيرة وغيرها من ماركات عالمية.
ثم قال الدكتور «لا أريد أنا أرى شيئاً مماثلاً ومتكرراً لدينا، أريد رؤية شيء مختلف»، تعجبت من إجابته في ذاك الوقت. ولكن قبل سنوات قليلة من الآن، أدركت لماذا قال هذا الكلام، بينما كنت أشاهد برنامجاً يدعى «الهوية المعمارية بين الشرق والغرب» ضيفه الدكتور ناصر أبوالحسن شريك مؤسس لشركة AGI للهندسة المعمارية، ذكر الرابط الاجتماعي الموجود بالفريج القديم بدأ يتغير. وهو مقتبس من العالم الغربي وأثر تطوره، ويترجم أننا نعيش في معمار أو عالم هندسي غربي. ومن هنا ربطت الحادثة الجامعية بالبرنامج الجميل.
وهذا بتأكيد يعكس الاكتساح والهيمنة الغربية للعلوم والمعرفة وبالأخص الأمريكية.
وفي ظل التطور السريع الذي تعيشه دول الخليج العربي، من المهم جداً التركيز والحفاظ على الهوية الشرقية، والتي في اعتقادي تعبر عن مقدمة عناصر البناء:
«تأسيس وتمويل مراكز بحثية محلية، «إعطاء الأولية والحوافز للشركات والكيانات المحلية، «خطة لتجهيز العلامات المحلية «نفتخر بالصناعة السعودية» للمواقع الإقليمية والعالمية، فقط مثال للتوضيح، القهوة والتمر رمز الأصالة العربية التي من شأنها التركيز في البحوث لتخرج من المنطقة الإقليمية إلى العالمية في مطارات ونقاط بيع إلخ ... فإذا أخذنا العنصر الأساسي للبشر، فسوف نشاهد شركات محلية أثبتت وجودها بالسوق، على سبيل المثال لا الحصر (Half Million Coffee, Kudu, Herfy, Maestro Pizza, AlRomansiah …) وهذا ينطبق على المستويات الأعلى للصناعات وغيرها.
فإذا رجعنا إلى الرابط الاجتماعي والتمسك بالهوية الوطنية، نلاحظ من الضروري البدء بها قبل أي انطلاقة. ففي مجال الإعمار، يجب التركيز على المشاريع والأحياء الجديدة بإضافة ودراسة مكونات الجانب الشرقي بشكل متدرج إلى الوصول للترابط الكامل.
فهذا جانب واحد من بين الألف من الجوانب والمجالات التي لعب وتأثر بها الخصائص المعمارية والترابط الشرقي بفعل تقدم الأبحاث الغربية.
المصادر:
«التطور التاريخي لمراكز البحوث والدراسات في الولايات المتحدة الأمريكية، سردار رمضان ياسين، قسم التاريخ - فاكلتي العلوم الإنسانية، جامعة زاخو - إقليم كوردستان العراق. 06آذار 2023
«مراحل تطور البحث العلمي، إبراهيم العبيدي Mawdoo3 الموضوع Aug 2020
«برنامج فيديو مصور «بدون ورق 85 - الهوية المعمارية بين الشرق والغرب» ضيفة الدكتور. ناصر أبوالحسن شريك مؤسس لشركة AGI للهندسة المعمارية