محمد العشيوي - «الجزيرة»:
من بين زخم الدراما الرمضانية لهذا العام، يبرز مسلسل «ليالي الشميسي» كواحد من الأعمال التي استطاعت أن تحظى باهتمام الجمهور، ليس فقط بسبب حبكته الدرامية المشوقة، ولكن أيضًا بسبب أجوائه التي تعيد إحياء تفاصيل الحياة في حي الشميسي العريق في الرياض.
المسلسل يقدم تجربة درامية بأسلوب يمزج بين الحنين إلى الماضي والتشويق المستمد من الصراعات الأسرية التي تدور حول الميراث.
(العاصوف) الجديد أم تجربة مستقلة؟ منذ عرض حلقاته الأولى، لم يسلم المسلسل من المقارنات مع «العاصوف»، نظرًا لتشابه البيئة الزمنية التي يدور فيها كلا العملين.
ومع ذلك، يبرز الفرق بينهما في تركيز ليالي الشميسي على الجانب العائلي بشكل أكثر خصوصية، حيث يغوص في التفاعلات الأسرية وتأثير الميراث على تماسك العائلة، بينما اتجه العاصوف إلى تقديم صورة أشمل عن التحولات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في المملكة.
في حين أن قصة الميراث ليست جديدة في الدراما، لكنها في هذا العمل تُروى بعمق مختلف، حيث تتشابك المصالح والطموحات، وتنشأ الخلافات بين أفراد العائلة الواحدة، في حبكة تعكس واقعًا عاشته بعض الأسر في تلك الفترة، ويُحسب للمسلسل قدرته على إعادة تصوير ملامح حي الشميسي الذي كان ذات يوم أحد أهم الأحياء في العاصمة السعودية، إلى جانب حي دخنه والعطايف، فالمشاهد التي تم تصويرها بعناية، من البيوت الشعبية إلى الأزقة والأسواق، خلقت حالة من الحنين لدى المشاهدين، خاصة أولئك الذين عاشوا تلك الفترات أو سمعوا عنها من الأجيال السابقة، هذا الحي لم يكن مجرد خلفية للأحداث، بل كان شخصية رئيسية في العمل، حيث عكست تفاصيله البسيطة واقع المجتمع السعودي في الماضي، وأضفت على القصة طابعًا من الأصالة والواقعية.
ولا يمكن الحديث عن نجاح المسلسل دون التطرق إلى الأداء التمثيلي الذي قدمه أبطاله، وعلى رأسهم ريم عبد الله، التي قدمت شخصية تعكس واقع المرأة في تلك الحقبة الزمنية، بين الصراع من أجل حقوقها والتحديات الاجتماعية التي كانت تواجهها، ورغم أن البعض رأى أن دورها قريب من شخصيتها في العاصوف، إلا أنها تمكنت من تقديمه بأسلوب مختلف، عكس تطور قدراتها التمثيلية.
أما عبد الإله السناني، فقد أبدع في تجسيد شخصية الأخ الأكبر الذي يسابق الزمن للحصول على الميراث بطرق ملتوية، ليصبح رمزًا للطمع والجشع الذي قد يهدد العلاقات الأسرية.
كما ساهمت مشاركة عدد من الوجوه الشابة والجديدة في إضفاء طاقة خاصة على العمل، مما منح المشاهد فرصة لرؤية أداء تمثيلي متجدد.
السيناريو والتصوير.. عزَّزا التجربة الدرامية
تميز المسلسل بسيناريو متماسك قُدّم بأسلوب درامي متدرج، حيث تبدأ القصة بهدوء قبل أن تتصاعد الأحداث تدريجيًا، ما يمنح المشاهد إحساسًا بالتوتر والترقب.
لكن في بعض الحلقات، كان هناك نوع من التكرار في الصراعات العائلية، وهو ما جعل بعض المشاهد تبدو طويلة دون إضافة جوهرية للحبكة.
أما على المستوى البصري، فقد تميز العمل بتصوير سينمائي متقن، حيث تم استخدام زوايا تصوير مدروسة تعكس أجواء الحي الشعبي بطريقة واقعية، إلى جانب الإضاءة المناسبة التي ساهمت في تعزيز الطابع الزمني للمسلسل، وتميز العمل بتقديم صورة دقيقة عن الرياض القديمة، مما خلق تجربة بصرية ممتعة ومليئة بالحنين، وتناول قضية اجتماعية حساسة تمس شريحة واسعة من المجتمع، وهي نزاعات الميراث وتأثيرها على العائلة.
إلا أن (ليالي الشميسي) خلف بطء الإيقاع في بعض الحلقات، مما أثر على تفاعل بعض المشاهدين، بالإضافة إلى التكرار في بعض الصراعات العائلية، دون تقديم حلول جديدة أو تطورات مختلفة في بعض المشاهد، التركيز الكبير على قضية الميراث دون إدخال عناصر أخرى قد تمنح القصة تنوعًا دراميًا أوسع.
في النهاية، يمكن القول إن ليالي الشميسي نجح في أن يكون واحدًا من الأعمال الدرامية البارزة لهذا العام، بفضل حبكته الدرامية وأجوائه التاريخية، وأدائه التمثيلي، ورغم بعض السلبيات، إلا أنه استطاع أن يجذب شريحة واسعة من المشاهدين، خاصة أولئك الذين يرتبطون وجدانيًا بالماضي وبالرياض القديمة.