د.عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
تصر السعودية على التحول إلى قوة صناعية رائدة على مستوى العالم، وبشكل خاص في صناعة السيارات وتقنياتها التي تخدم بقية القطاعات الصناعية الأخرى، خصوصا وأن صناعة السيارات تتطلب الأتمتة والحلول التكنولوجية، إضافة إلى بقية القطاعات الصناعية الاستراتيجية الأخرى، وهو ما أدى إلى زيارة وفد السعودية 1-8 سبتمبر 2024 إلى سنغافورة والصين والاجتماع مع مجموعة GAC Group لصناعة السيارات، وشركة جنرال ليثيوم لتصنيع بطاريات السيارات، إلى جانب اجتماع مع شركة هواوي الصينية عملاق الاتصالات والتحول الذكية في العالم، وكذلك الاجتماع مع شركة Cyberprt البارزة عالميا في الحلول التكنولوجية المتقدمة ومجموعة جونسون للكهرباء.
شملت الاستثمارات الصينية في قطاع تصنيع المعدات الأصلية للسيارات، واستثمارات يبلغ حجمها 5.26 مليار دولار في قطاع المعادن، فيما بلغ حجم الاستثمار في قطاع أشباه الموصلات 4.26 مليار دولار، وتستفيد السعودية من الحلول التكنولوجية والأتمتة في سنغافورة مما يعزز من وجود فرص مشتركة بين السعودية وسنغافورة للاستثمار في قطاعات الحلول التكنولوجية وتقنيات الثورة الصناعية الرابعة، والأتمتة في القطاع الصناعي واللوجستي، خاصة أن السعودية تعمل على مهمة لمصانع المستقبل تستهدف أتمتة أربعة آلاف مصنع، من خلال تحويل تلك المصانع من الاعتماد على العمالة الكثيفة ذات الأجور والمهارات المنخفضة إلى الكفاءة التشغيلية والأتمتة وتطبيق الحلول والممارسات الصناعية المتقدمة، وفقا لمعايير عالية تحقق كفاءة الإنتاج وتحسن ربحية هذه المصانع وتعزز تنافسيتها.
إذ يعد قطاع السيارات من أبرز القطاعات الواعدة التي ركزت الاستراتيجية الوطنية للصناعة على تطويرها، ونقل المعرفة والحلول الابتكارية والتقنيات المتقدمة إليها، وتستهدف السعودية إنتاج أكثر من 300 ألف سيارة سنويا بحلول 2030، وأبرمت أول مشروع مشترك بين مجموعة فوكسكون للتكنولوجيا التايوانية وصندوق الاستثمارات العامة السعودي لبناء مجمع سيارات كهربائية في مدينة الملك عبدالله الاقتصادية شركة سير، من المقرر أن يبدأ إنتاجه بحلول عام 2025، بجانب لوسيد التي يمتلك صندوق الاستثمارات العامة 60 في المائة من أسهمه، افتتحت أول مصنع في السعودية للسيارات الكهربائية في مدينة الملك عبدالله، وهناك شركة سنام لتجميع وصناعة السيارات في السعودية لدعم وتوطين الصناعات التي لها عائد عالٍ على الاقتصاد الوطني للسعودية، بل محفز رئيس لنمو الاقتصاد الوطني، بجانب جذب شركات مصنعة للمعدات الأصلية للسيارات.
وعقدت اتفاقية بين الهيئة الملكية بينبع وشركة إي في ميتالر العربية، لإنشاء مصنع إنتاج كيمائيات البطارية الكهربائية، من خلال إنتاج الليثيوم، والزنك، والنيكل، وعملت المجموعات الصناعية مع شركات سعودية مثل سابك ومعادن والتصنيع وأرامكو لصنع مواد تنقل متطورة مثل الكربون الأسود، والمطاط الصناعي للإطارات، وألياف الكربون والمركبات، وألواح الصلب للسيارات، وصفائح الألمنيوم للسيارات، وشارك القطاع الخاص في إنتاج فلاتر الزيت، ولوحات الدوائر الكهربائية، والبطاريات، والكابلات، والمواد اللاصقة، والمواد المركبة، كما أطلق الصندوق في نوفمبر 2023 شركة إيفيك المتخصصة في توفير نقاط الشحن الكهربائية بجميع أنحاء السعودية، إضافة إلى بناء أساس قوي للقطاع، مما يساعد في رفع نسبة استخدام المركبات الكهربائية بين أفراد المجتمع.
من مستهدفات السعودية أن تصبح مركزا محوريا لصناعة السيارات في المنطقة، ورائدة في الحلول المبتكرة لصناعة مركبات صديقة للبيئة بشكل خاص، ما جعل السعودية تجري مباحثات مع تشيلي التي تعد ثاني أكبر دولة منتجة لمعدن الليثيوم في العالم، تستهدف تعزيز التعاون في مجال إنتاج هذا المعدن المكون الأساسي لبطاريات السيارات الكهربائية.
تعد تجربة السعودية في قطاع التقنية والأتمتة مثار إعجاب العالم، إذ حقق هذا القطاع قفزات متلاحقة خلال العقد الأخير حتى نهاية 2024، وتواصل السعودية جهودها في نقل المعرفة والابتكار والحلول التكنولوجية إلى كافة قطاعاتها التنموية، وتستهدف استقطاب استثمارات نوعية في 12 قطاعا صناعيا واعدا، في مقدمتها صناعة السيارات والأدوية والأغذية، مما يعكس الدور الحاسم لقطاع التكنولوجيا في المشهد الاقتصادي في السعودية.
تمضي السعودية قدما في صناعة السيارات الكهربائية، وذلك نتيجة للشراكات الاستراتيجية التي تم تنفيذها مع كبرى الشركات العالمية، إذ تطمح السعودية إلى تجاوز الطاقة الإنتاجية لـ600 ألف سيارة سنويا بحلول 2035، جاءت تلك التأكيدات خلال حديث وكيل وزارة الاستثمار لتطوير الاستثمارات محمد الصاحب خلال المنتدى العالمي للمركبات الكهربائية وتكنولوجيا التنقل 2024 الذي عقد في الرياض في يوليو حيث بلغت مبيعات السيارات في السعودية 740 ألف سيارة وهو ما يمثل أكثر من نصف سوق دول مجلس التعاون الخليجي، وتصل مبيعات السيارات سنويا في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، إلى نحو 2.3 مليون سيارة سنويا مستوردة من خارج المنطقة.
** **
- أستاذ الجغرافيا الاقتصادية والسياسية بجامعة أم القرى سابقاً